الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَوْعِظَةٍ فَقَالَ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تُحْشَرُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين» «١».
وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ شعبة، وفي صحيح الْبُخَارِيِّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ بِهِ، وَقَالَ ورقاء بْنُ إِيَاسٍ أَبُو يَزِيدَ عَنْ مُجَاهِدٍ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ قَالَ يُبْعَثُ الْمُسْلِمُ مُسْلِمًا وَالْكَافِرُ كَافِرًا وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ رُدُّوا إِلَى عِلْمِهِ فِيهِمْ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ كَمَّا كَتَبَ عَلَيْكُمْ تكونون، وفي رواية كما كنتم عَلَيْهِ تَكُونُونَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ مَنِ ابْتَدَأَ اللَّهُ خَلْقَهُ عَلَى الشَّقَاوَةِ صَارَ إِلَى مَا ابْتُدِئَ عَلَيْهِ خَلْقُهُ وَإِنْ عَمِلَ بِأَعْمَالِ أهل السعادة، ومن ابتدأ خَلْقُهُ عَلَى السَّعَادَةِ صَارَ إِلَى مَا ابْتُدِئَ خَلْقُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ عَمِلَ بِأَعْمَالِ أَهَّلِ الشَّقَاءِ، كما أن السحرة عملوا بِأَعْمَالِ أَهْلِ الشَّقَاءِ ثُمَّ صَارُوا إِلَى مَا ابتدءوا عَلَيْهِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ يَقُولُ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ فَرِيقٌ مُهْتَدُونَ وَفَرِيقٌ ضُلَّالٌ، كَذَلِكَ تَعُودُونَ وَتُخْرَجُونَ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ «٢».
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ خَلْقَ ابْنِ آدَمَ مُؤْمِنًا وَكَافِرًا، كما قال هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ثُمَّ يُعِيدُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا بَدَأَهُمْ مُؤْمِنًا وَكَافِرًا «٣» : قُلْتُ: وَيَتَأَيَّدُ هَذَا الْقَوْلُ بِحَدِيثِ ابْنِ مسعود في صحيح البخاري «فو الذي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا بَاعٌ أَوْ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلَهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا بَاعٌ أَوْ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ» «٤».
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «أن الْعَبْدَ لِيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّهُ لِيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ» «٥» هَذَا قطعة من حديث الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرَّفٍ الْمَدَنِيِّ فِي قِصَّةِ قُزْمَانَ يَوْمَ أُحُدٍ.
(٢) انظر هذه الآثار في تفسير الطبري ٥/ ٤٦٦، ٤٦٧.
(٣) انظر تفسير الطبري ٥/ ٤٦٥.
(٤) أخرجه البخاري في القدر باب ١.
(٥) أخرجه البخاري في القدر باب ٥، والرقاق باب ٣٣. [.....]