فَشَوْا فِي الْأَرْضِ وَقَهَرُوا أَهْلَهَا بِفَضْلِ قُوَّتِهِمُ الَّتِي آتَاهُمُ اللَّهُ وَكَانُوا أَصْحَابَ أَوْثَانٍ يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ هُودًا عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ مِنْ أَوْسَطِهِمْ نَسَبًا وَأَفْضَلِهِمْ مَوْضِعًا فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ وَلَا يَجْعَلُوا مَعَهُ إِلَهًا غَيْرَهُ وَأَنْ يَكُفُّوا عَنْ ظُلْمِ النَّاسِ فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَكَذَّبُوهُ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً وَاتَّبَعَهُ مِنْهُمْ نَاسٌ وَهُمْ يَسِيرٌ يكتمون إيمانهم فَلَمَّا عَتَتْ عَادٌ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبُوا نَبِيَّهُ وَأَكْثَرُوا فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ وَتَجَبَّرُوا وَبَنَوْا بِكُلِّ رَيْعٍ آيَةً عَبَثًا بِغَيْرِ نَفْعٍ كَلَّمَهُمْ هُودٌ فَقَالَ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ [الشُّعَرَاءِ: ١٢٨- ١٣١] قالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ أَيْ بِجُنُونٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [هُودٍ: ٥٣- ٥٦].
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا أَبَوْا إِلَّا الْكُفْرَ بِهِ أَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْقَطْرَ ثَلَاثَ سِنِينَ فِيمَا يَزْعُمُونَ حَتَّى جَهَدَهُمْ ذَلِكَ قَالَ: وَكَانَ النَّاسُ إِذَا جَهَدَهُمْ أَمْرٌ فِي ذلك الزمان وطلبوا مِنَ اللَّهِ الْفَرَجَ فِيهِ إِنَّمَا يَطْلُبُونَهُ بِحُرْمَةِ ومكان بيته وكان معروفا عند أهل ذلك الزمان وَبِهِ الْعَمَالِيقُ مُقِيمُونَ وَهُمْ مِنْ سُلَالَةِ عِمْلِيقَ بْنِ لَاوِذَ بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ وَكَانَ سيدهم إذ ذاك رجلا يقال هل مُعَاوِيَةُ بْنُ بَكْرٍ وَكَانَتْ لَهُ أُمٌّ مِنْ قَوْمِ عَادٍ وَاسْمُهَا كَلْهَدَةُ ابْنَةُ الْخَيْبَرِيِّ قَالَ فَبَعَثَتْ عَادٌ وَفْدًا قَرِيبًا مِنْ سَبْعِينَ رَجُلًا إِلَى الْحَرَمِ لِيَسْتَسْقُوا لَهُمْ عِنْدَ الْحَرَمِ فَمَرُّوا بِمُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ بِظَاهِرِ مَكَّةَ فَنَزَلُوا عَلَيْهِ فَأَقَامُوا عِنْدَهُ شَهْرًا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَتُغَنِّيهُمُ الْجَرَادَتَانِ: قَيْنَتَانِ لِمُعَاوِيَةَ وَكَانُوا قَدْ وَصَلُوا إِلَيْهِ فِي شَهْرٍ فَلَمَّا طَالَ مُقَامُهُمْ عِنْدَهُ وَأَخَذَتْهُ شَفَقَةٌ عَلَى قَوْمِهِ وَاسْتَحْيَا مِنْهُمْ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالِانْصِرَافِ عَمِلَ شِعْرًا يَعْرِضُ لَهُمْ بِالِانْصِرَافِ وَأَمَرَ الْقَيْنَتَيْنِ أن تغنياهم به فقال: [الوافر]
أَلَا يَا قَيْلُ وَيْحَكَ قُمْ فَهَيْنِمْ | لَعَلَّ اللَّهَ يُصْبِحُنَا غَمَامًا «١» |
فَيَسْقِي أَرْضَ عَادٍ إِنَّ عَادًا | قَدَ امْسَوْا لَا يُبِينُونَ الْكَلَامَا |
مِنَ العطش الشديد وليس نَرْجُو | بِهِ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ وَلَا الْغُلَامَا |
وَقَدْ كَانَتْ نِسَاؤُهُمُ بِخَيْرٍ | فَقَدْ أَمْسَتْ نِسَاؤُهُمُ عَيَامَى |
وَإِنَّ الْوَحْشَ تَأْتِيهِمْ جِهَارًا | وَلَا تَخْشَى لِعَادِيٍّ سِهَامَا |
وَأَنْتُمْ هَاهُنَا فِيمَا اشْتَهَيْتُمْ | نَهَارَكُمُ وَلَيْلَكُمُ التَّمَامَا |
فَقُبِّحَ وَفْدُكُمْ مِنْ وَفْدِ قَوْمٍ | وَلَا لَقَوُا التَّحِيَّةَ وَالسَّلَامَا |