تَرِدُ مِنْ فَجٍّ وَتَصْدُرُ مِنْ غَيْرِهِ لِيَسَعَهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ تَتَضَلَّعُ مِنَ الْمَاءِ وَكَانَتْ عَلَى مَا ذُكِرَ خَلْقًا هَائِلًا وَمَنْظَرًا رَائِعًا إِذَا مَرَّتْ بِأَنْعَامِهِمْ نَفَرَتْ مِنْهَا فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِمْ ذلك وَاشْتَدَّ تَكْذِيبُهُمْ لِصَالِحٍ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَزَمُوا عَلَى قَتْلِهَا لِيَسْتَأْثِرُوا بِالْمَاءِ كُلَّ يَوْمٍ فَيُقَالُ إِنَّهُمُ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى قَتْلِهَا، قَالَ قَتَادَةُ بلغني أن الذي قتلها طَافَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ أَنَّهُمْ رَاضُونَ بِقَتْلِهَا حَتَّى على النساء في خدورهن وعلى الصبيان قلت وهذا هو الظاهر لقوله تعالى: فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها [الشَّمْسِ: ١٤] وَقَالَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَقَالَ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ فَأَسْنَدَ ذَلِكَ عَلَى مَجْمُوعِ القبيلة فدل على رضى جَمِيعِهِمْ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ بْنُ جَرِيرٍ «١» وَغَيْرُهُ مِنَ علماء التفسير أن سبب قتلها أَنَّ امْرَأَةً مِنْهُمْ يُقَالُ لَهَا عُنَيْزَةُ ابْنَةُ غَنْمِ بْنِ مِجْلَزٍ وَتُكَنَّى أُمَّ غَنْمٍ كَانَتْ عَجُوزًا كَافِرَةً وَكَانَتْ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِصَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَانَتْ لَهَا بَنَاتٌ حِسَانٌ وَمَالٌ جَزِيلٌ وَكَانَ زَوْجُهَا ذُؤَابُ بْنُ عَمْرٍو أَحَدَ رُؤَسَاءِ ثَمُودَ وَامْرَأَةً أُخْرَى يُقَالُ لَهَا صدوف بنت المحيا بن زهير بن المختار ذَاتِ حَسَبٍ وَمَالٍ وَجِمَالٍ وَكَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ مِنْ ثَمُودَ فَفَارَقَتْهُ فَكَانَتَا تَجْعَلَانِ لِمَنِ الْتَزَمَ لَهُمَا بِقَتْلِ النَّاقَةِ، فَدَعَتْ صُدُوفُ رَجُلًا يقال له الحباب، فعرضت عَلَيْهِ نَفْسَهَا إِنْ هُوَ عَقَرَ النَّاقَةَ فَأَبَى عَلَيْهَا فَدَعَتِ ابْنَ عَمٍّ لَهَا يُقَالُ لَهُ مِصْدَعُ بْنُ مِهْرَجِ بْنِ الْمُحَيَّا فَأَجَابَهَا إِلَى ذَلِكَ وَدَعَتْ عُنَيْزَةُ بِنْتُ غَنْمٍ قِدَارَ بْنَ سالف بن جذع وَكَانَ رَجُلًا أَحْمَرَ أَزْرَقَ قَصِيرًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَانَ وَلَدَ زَنْيَةٍ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَبِيهِ الَّذِي يُنْسَبُ إِلَيْهِ وَهُوَ سَالِفٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ صِهْيَادٌ وَلَكِنْ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ سَالِفٍ.
وَقَالَتْ لَهُ: أُعْطِيكَ أَيَّ بَنَاتِي شِئْتَ عَلَى أَنْ تَعْقِرَ النَّاقَةَ فَعِنْدَ ذَلِكَ انْطَلَقَ قِدَارُ بْنُ سَالِفٍ، وَمِصْدَعُ بن مهرج فاستغويا غُوَاةً مِنْ ثَمُودَ فَاتَّبَعَهُمَا سَبْعَةُ نَفَرٍ فَصَارُوا تِسْعَةَ رَهْطٍ وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ [النَّمْلِ: ٤٨] وَكَانُوا رُؤَسَاءَ فِي قَوْمِهِمْ فَاسْتَمَالُوا الْقَبِيلَةَ الْكَافِرَةَ بِكَمَالِهَا فَطَاوَعَتْهُمْ عَلَى ذلك فانطلقوا فرصدوا الناقة حين صدرت من الماء، وقد كمن لها قدار بن سالف فِي أَصْلِ صَخْرَةٍ عَلَى طَرِيقِهَا وَكَمِنَ لَهَا مِصْدَعٌ فِي أَصْلِ أُخْرَى، فَمَرَّتْ عَلَى مِصْدَعٍ فَرَمَاهَا بِسَهْمٍ، فَانْتَظَمَ بِهِ عَضَلَةُ سَاقِهَا.
وَخَرَجَتْ أُمُّ غَنْمٍ عُنَيْزَةُ وَأَمَرَتِ ابْنَتَهَا وَكَانَتْ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا فَسَفَرَتْ عَنْ وَجْهِهَا لِقِدَارٍ وذمّرته وشد على الناقة بالسيف فكشف عن عُرْقُوبَهَا فَخَرَّتْ سَاقِطَةً إِلَى الْأَرْضِ وَرَغَتْ رَغَاةً وَاحِدَةً تُحَذِّرُ سَقْبَهَا ثُمَّ طَعَنَ فِي لَبَّتِهَا فَنَحَرَهَا وَانْطَلَقَ سَقْبُهَا وَهُوَ فَصِيلُهَا حَتَّى أَتَى جَبَلًا مَنِيعًا فَصَعَدَ أَعْلَى صَخْرَةٍ فِيهِ وَرَغَا، فَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَمَّنْ سَمِعَ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَبِّ أَيْنَ أُمِّي؟
وَيُقَالُ إِنَّهُ رَغَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَإِنَّهُ دَخَلَ فِي صَخْرَةٍ فَغَابَ فِيهَا، وَيُقَالُ بَلِ اتَّبَعُوهُ فَعَقَرُوهُ مَعَ أُمِّهِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَلَمَّا فعلوا ذلك وفرغوا من عقر الناقة وبلغ الْخَبَرُ صَالِحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَجَاءَهُمْ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ، فلما