لَحْيَهَا الْأَسْفَلَ فِي الْأَرْضِ وَالْآخَرَ عَلَى سُورِ الْقَصْرِ، ثُمَّ تَوَجَّهَتْ نَحْوَ فِرْعَوْنَ لِتَأْخُذَهُ فَلَمَّا رَآهَا ذُعِرَ مِنْهَا وَوَثَبَ وَأَحْدَثَ وَلَمْ يَكُنْ يُحْدِثُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَصَاحَ يَا مُوسَى خُذْهَا وأنا أؤمن بِكَ وَأُرْسِلْ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَخَذَهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَعَادَتْ عَصًا «١»، وَرَوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُ هَذَا، وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: لَمَّا دَخَلَ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ قَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ: أَعْرِفُكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً [الشُّعَرَاءِ: ١٨] قَالَ: فَرَدَّ إِلَيْهِ مُوسَى الَّذِي رَدَّ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ: خُذُوهُ فبادر مُوسَى فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ فَحَمَلَتْ عَلَى النَّاسِ فَانْهَزَمُوا مِنْهَا، فَمَاتَ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَقَامَ فِرْعَوْنُ مُنْهَزِمًا حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ، فِي كِتَابِهِ الزُّهْدِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَفِيهِ غَرَابَةٌ فِي سِيَاقِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ أي أخرج يده من درعه بعد ما أدخلها فيه فإذا هي بَيْضَاءُ تَتَلَأْلَأُ مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ وَلَا مَرَضٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ [النمل: ١٢] الآية، وقال ابن عباس في حديث الفتون: مِنْ غَيْرِ سُوءٍ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ ثُمَّ أَعَادَهَا إِلَى كُمِّهِ فَعَادَتْ إِلَى لَوْنِهَا الأول «٢»، وكذا قال مجاهد وغير واحد.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٠٩ الى ١١٠]
قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (١٠٩) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَماذا تَأْمُرُونَ (١١٠)
أَيْ قَالَ الْمَلَأُ وَهُمُ الْجُمْهُورُ وَالسَّادَةُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ مُوَافِقِينَ لِقَوْلِ فِرْعَوْنَ فِيهِ بَعْدَ مَا رَجَعَ إِلَيْهِ رَوْعُهُ وَاسْتَقَرَّ عَلَى سَرِيرِ مَمْلَكَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ لِلْمَلَأِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَساحِرٌ عَلِيمٌ فوافقوا وقالوا كمقالته وتشاوروا في أمره كيف يَصْنَعُونَ فِي أَمْرِهِ وَكَيْفَ تَكُونُ حِيلَتُهُمْ فِي إطفاء نوره وإخماد كلمته وظهور كذبه وافترائه وتخوفوا أَنْ يَسْتَمِيلَ النَّاسَ بِسِحْرِهِ فِيمَا يَعْتَقِدُونَ فَيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِظُهُورِهِ عَلَيْهِمْ وَإِخْرَاجِهِ إِيَّاهُمْ مِنْ أَرْضِهِمْ وَالَّذِي خَافُوا مِنْهُ وَقَعُوا فِيهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:
وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ مَا كانُوا يَحْذَرُونَ [الْقَصَصِ: ٦] فَلَمَّا تَشَاوَرُوا فِي شأنه وائتمروا بما فِيهِ اتَّفَقَ رَأْيُهُمْ عَلَى مَا حَكَاهُ اللَّهُ تعالى عنهم في قوله تعالى:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١١١ الى ١١٢]
قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (١١١) يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (١١٢)
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَرْجِهْ أَخِّرْهُ وَقَالَ قَتَادَةُ احْبِسْهُ وَأَرْسِلْ أَيِ ابعث فِي الْمَدائِنِ أي في الأقاليم ومدائن مُلْكِكَ حاشِرِينَ أَيْ مَنْ يَحْشُرُ لَكَ السَّحَرَةَ من سائر البلاد ويجمعهم وقت كَانَ السِّحْرُ فِي زَمَانِهِمْ غَالِبًا كَثِيرًا ظَاهِرًا وَاعْتَقَدَ مَنِ اعْتَقَدَ مِنْهُمْ وَأُوهِمَ مَنْ أُوهِمَ منهم أن
(٢) انظر تفسير الطبري ٦/ ١٧.