إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ فَالسِّيَاقُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنما غضب عليه وحسده بقبول قُرْبَانِهِ دُونَهُ، ثُمَّ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّ الَّذِي قَرَّبَ الشَّاةَ هُوَ هَابِيلُ وَأَنَّ الَّذِي قَرَّبَ الطَّعَامَ هُوَ قَابِيلُ وَأَنَّهُ تُقُبِّلَ مِنْ هَابِيلَ شَاتُهُ، حَتَّى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ إنها الْكَبْشُ الَّذِي فُدِيَ بِهِ الذَّبِيحُ وَهُوَ مُنَاسِبٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ قَابِيلَ، كَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا، وَلَكِنْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ الَّذِي قَرَّبَ الزَّرْعَ قَابِيلُ وَهُوَ الْمُتَقَبَّلُ مِنْهُ، وَهَذَا خِلَافَ الْمَشْهُورِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ جَيِّدًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَيْ مِمَّنِ اتَّقَى اللَّهَ فِي فِعْلِهِ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ زِبْرِيقٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ تَمِيمٍ يَعْنِي ابْنَ مَالِكٍ الْمَقْرِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: لِأَنْ أَسْتَيْقِنَ أَنَّ الله قد تقبل لي صَلَاةً وَاحِدَةً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِمْرَانَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ يَعْنِي الرَّازِيَّ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ أَبِي وَائِلٍ فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عَفِيفٍ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ فَقَالَ لَهُ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ: يَا أَبَا عَفِيفٍ أَلَا تُحَدِّثُنَا عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ؟ قَالَ: بَلَى سَمِعْتُهُ يَقُولُ: يُحْبَسُ النَّاسُ فِي بَقِيعٍ وَاحِدٍ فَيُنَادِي مُنَادٍ: أَيْنَ الْمُتَّقُونَ؟ فَيَقُومُونَ فِي كَنَفٍ مِنَ الرَّحْمَنِ لَا يَحْتَجِبُ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَا يَسْتَتِرُ. قُلْتُ: مَنِ الْمُتَّقُونَ؟
قَالَ: قَوْمٌ اتَّقَوُا الشِّرْكَ وَعِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَأَخْلَصُوا الْعِبَادَةَ فَيَمُرُّونَ إِلَى الْجَنَّةِ.
وَقَوْلُهُ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ يَقُولُ لَهُ أَخُوهُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ الَّذِي تَقَبَّلَ اللَّهُ قُرْبَانَهُ لِتَقْوَاهُ، حين توعده أَخُوهُ بِالْقَتْلِ عَلَى غَيْرِ مَا ذَنْبٍ مِنْهُ إِلَيْهِ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ أَيْ لَا أُقَابِلُكَ عَلَى صَنِيعِكَ الْفَاسِدِ بِمِثْلِهِ فَأَكُونُ أَنَا وَأَنْتَ سَوَاءٌ فِي الْخَطِيئَةِ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ أَيْ مِنْ أَنْ أَصْنَعَ كَمَا تُرِيدُ أَنَّ تَصْنَعَ بَلْ أَصْبِرُ وَأَحْتَسِبُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو:
وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ «١» لَأَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ وَلَكِنْ مَنْعَهُ التَّحَرُّجُ يَعْنِي الْوَرَعُ، وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» قَالُوا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ «إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ» «٢».
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ»
: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ الله، عن بشر بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قال عند فتنة عثمان: أشهد أن
(٢) صحيح البخاري (فتن باب ١٠) وصحيح مسلم (فتن حديث ١٤ و ١٥) وسنن النسائي (تحريم باب ٢٩).
(٣) مسند أحمد ١/ ١٨٥.