صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ أَوْ مَنْ طَعَنَ في دين الإسلام أو ذكره بنقص، وَلِهَذَا قَالَ: فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ أَيْ يَرْجِعُونَ عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالْعِنَادِ وَالضَّلَالِ. وَقَدْ قَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ: أَئِمَّةُ الْكُفْرِ كَأَبِي جَهْلٍ وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَعَدَّدَ رِجَالًا «١»، وَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: مر سعد بن أبي وقاص بِرَجُلٍ مِنَ الْخَوَارِجِ فَقَالَ الْخَارِجِيُّ: هَذَا مِنْ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ فَقَالَ سَعْدٌ كَذَبْتَ بَلْ أَنَا قَاتَلْتُ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ مَا قُوتِلَ أَهْلُ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدُ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مِثْلُهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ وَإِنْ كَانَ سَبَبُ نُزُولِهَا مُشْرِكِي قُرَيْشٍ فَهِيَ عَامَّةٌ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ واللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ: الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، أَنَّهُ كَانَ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى النَّاسِ حِينَ وَجَّهَهُمْ إِلَى الشام قال: إنكم ستجدون قوما محوّقة رؤوسهم، فاضربوا معاقد الشيطان منهم بالسيوف، فو الله لَأَنْ أَقْتُلَ رَجُلًا مِنْهُمْ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَ سَبْعِينَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ رَوَاهُ ابْنُ أبي حاتم.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٣ الى ١٥]
أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣) قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٥)
وَهَذَا أَيْضًا تَهْيِيجٌ وتحضيض وإغراء على قتال المشركين الناكثين بأيمانهم الَّذِينَ هَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ مِنْ مَكَّةَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ [الْأَنْفَالِ: ٣٠] وَقَالَ تَعَالَى: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ [الممتحنة: ١] الآية، وَقَالَ تَعَالَى: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها [الإسراء: ٧٦] الآية، وقوله: وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ قِيلَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ: يَوْمُ بَدْرٍ حِينَ خَرَجُوا لِنَصْرِ عِيرِهِمْ، فَلَمَّا نَجَتْ وَعَلِمُوا بِذَلِكَ اسْتَمَرُّوا عَلَى وُجُوهِهِمْ، طَلَبًا لِلْقِتَالِ بَغْيًا وَتَكَبُّرًا كَمَا تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ، وَقِيلَ الْمُرَادُ نَقْضُهُمُ الْعَهْدَ وَقِتَالُهُمْ مَعَ حُلَفَائِهِمْ بَنِي بَكْرٍ لِخُزَاعَةَ أَحْلَافِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَارَ إِلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ وَكَانَ مَا كان ولله الحمد والمنة.
وَقَوْلُهُ: أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يَقُولُ تَعَالَى لَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ فَأَنَا أَهْلٌ أَنْ يَخْشَى الْعِبَادُ مِنْ سَطْوَتِي وَعُقُوبَتِي فَبِيَدِي الْأَمْرُ وَمَا شِئْتُ كَانَ وَمَا لم أشأ

(١) انظر تفسير الطبري ٦/ ٣٢٩.


الصفحة التالية
Icon