وَأَصْلَتُوا السُّيُوفَ وَحَمَلُوا حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ كَمَا أَمَرَهُمْ مَلِكُهُمْ فَعِنْدَ ذَلِكَ وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاكِبٌ يومئذ بغلته الشهباء يسوقها إلى نحو الْعَدُوِّ، وَالْعَبَّاسُ عَمُّهُ آخِذٌ بِرِكَابِهَا الْأَيْمَنِ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ آخِذٌ بِرِكَابِهَا الْأَيْسَرِ يُثْقِلَانِهَا لِئَلَّا تُسْرِعَ السَّيْرَ وَهُوَ يُنَوِّهُ بِاسْمِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَيَدْعُو الْمُسْلِمِينَ إلى الرجعة ويقول: «إليّ عِبَادَ اللَّهِ إِلَيَّ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ» وَيَقُولُ فِي تِلْكَ الْحَالِ:
«أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ | أَنَا ابْنُ عَبدِ الْمُطَّلِبْ» |
فلما اجتمعت شرذمة منهم عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَصْدُقُوا الْحَمْلَةَ وَأَخَذَ قبضة من تراب بعد ما دَعَا رَبَّهُ وَاسْتَنْصَرَهُ، وَقَالَ «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي» ثُمَّ رَمَى الْقَوْمَ بِهَا فَمَا بَقِيَ إِنْسَانٌ مِنْهُمْ إِلَّا أَصَابَهُ مِنْهَا فِي عينه وفمه ما يشغله عَنِ الْقِتَالِ ثُمَّ انْهَزَمُوا فَاتَّبَعَ الْمُسْلِمُونَ أَقْفَاءَهُمْ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ وَمَا تَرَاجَعَ بَقِيَّةُ النَّاسِ إِلَّا والأسرى مجندلة بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يسار عن أَبِي هَمَّامٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفِهْرِيِّ وَاسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ أُسَيْدٍ وَيُقَالُ يَزِيدُ بْنُ أُنَيْسٍ وَيُقَالُ كُرْزٌ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ فَسِرْنَا فِي يَوْمٍ قَائِظٍ شَدِيدِ الْحَرِّ فَنَزَلْنَا تَحْتَ ظِلَالِ الشَّجَرِ فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ لَبِسْتُ لَأْمَتِي وَرَكِبْتُ فَرَسِي فَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي فُسْطَاطِهِ فَقُلْتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ورحمة الله وبركاته حَانَ الرَّوَاحُ؟ فَقَالَ: «أَجَلْ» فَقَالَ: «يَا بِلَالُ» فثار من تحت سمرة كأن ظلها ظِلُّ طَائِرٍ فَقَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَأَنَا فِدَاؤُكَ فَقَالَ «أَسْرِجْ لِي فَرَسِي» فَأَخْرَجَ سَرْجًا دَفَّتَاهُ مِنْ لِيفٍ لَيْسَ فِيهِمَا أَشَرٌ وَلَا بَطَرٌ.
(١) الرجز لرسول الله ص في كتاب العين ٦/ ٦٥، وتهذيب اللغة ١٠/ ٦١١.
(٢) المسند ٥/ ٢٨٦.
(٢) المسند ٥/ ٢٨٦.