الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شُجَاعَةً وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» «١» وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ عَزِيزٌ أَيْ فِي انْتِقَامِهِ وَانْتِصَارِهِ، مَنِيعُ الْجَنَابِ لَا يُضَامُ مَنْ لَاذَ بِبَابِهِ، وَاحْتَمَى بِالتَّمَسُّكِ بِخِطَابِهِ حَكِيمٌ في أقواله وأفعاله.
[سورة التوبة (٩) : آية ٤١]
انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤١)
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الضُّحَى مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ: هَذِهِ الْآيَةُ انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْ سُورَةِ بَرَاءَةَ «٢» وَقَالَ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: زَعَمَ حَضْرَمِيٌّ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ أَنَّ نَاسًا كَانُوا عَسَى أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ عليلا وكبيرا فَيَقُولُ: إِنِّي لَا آثَمُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا الْآيَةَ «٣».
أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالنَّفِيرِ العام مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ لِقِتَالِ أَعْدَاءِ اللَّهِ مِنَ الرُّومِ الْكَفَرَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَحَتَّمَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الْخُرُوجِ مَعَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ وَالْعُسْرِ وَالْيُسْرِ فَقَالَ انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ: كُهُولًا وَشَبَابًا مَا سمع الله عذر أحد ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ وَفِي رِوَايَةٍ قَرَأَ أَبُو طَلْحَةَ سُورَةَ بَرَاءَةَ فَأَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ أرى ربنا استنفرنا شيوخا وشبانا جَهِّزُونِي يَا بَنِيَّ، فَقَالَ بَنُوهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ قد غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَاتَ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى مَاتَ وَمَعَ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ فَنَحْنُ نَغْزُو عَنْكَ فَأَبَى فَرَكِبَ الْبَحْرَ فَمَاتَ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ جَزِيرَةً يَدْفِنُوهُ فِيهَا إِلَّا بَعْدَ تِسْعَةِ أَيَّامٍ فلم يتغير فدفنوه فيها.
وَهَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ وَأَبِي صالح والحسن البصري وسهيل بْنِ عَطِيَّةَ وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ وَالشَّعْبِيِّ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآية انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا كهولا وشبانا وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ وغير واحد، وقال مجاهد شبانا وَشُيُوخًا وَأَغْنِيَاءَ وَمَسَاكِينَ وَكَذَا قَالَ أَبُو صَالِحٍ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ: مَشَاغِيلُ وَغَيْرُ مَشَاغِيلَ، وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا يَقُولُ انْفَرُوا نَشَاطًا وَغَيْرَ نَشَاطٍ، وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا قَالُوا فَإِنَّ فِينَا الثَّقِيلَ، وَذَا الْحَاجَةِ والضيعة والشغل والمتيسر به أمره فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَأَبَى أَنْ يَعْذُرَهُمْ دُونَ أَنْ ينفروا خِفافاً وَثِقالًا أي على مَا كَانَ مِنْهُمْ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الحسن البصري أيضا في
(٢) انظر تفسير الطبري ٦/ ٣٧٩.
(٣) تفسير الطبري ٦/ ٣٧٨.