الْمَلَكَ كَانَ يَأْتِي الرَّجُلَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول سَمِعْتُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ يَقُولُونَ وَاللَّهِ لَئِنْ حَمَلُوا عَلَيْنَا لَنَنْكَشِفَنَّ فَيُحَدِّثُ الْمُسْلِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِذَلِكَ فَتَقْوَى أَنْفُسُهُمْ حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَهَذَا لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ.
وَقَوْلُهُ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ أي ثبتوا أنتم المؤمنين وَقَوُّوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ عَنْ أَمْرِي لَكُمْ بذلك سألقي الرعب والذلة وَالصَّغَارَ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي وَكَذَّبَ رَسُولِي فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ أَيِ اضْرِبُوا الْهَامَ فَفَلِّقُوهَا، وَاحْتَزُّوا الرِّقَابَ فَقَطِّعُوهَا، وَقَطِّعُوا الْأَطْرَافَ مِنْهُمْ وَهِيَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى فَوْقَ الْأَعْناقِ فَقِيلَ معناه اضربوا الرؤوس، قاله عكرمة وقيل معناه أَيْ عَلَى الْأَعْنَاقِ وَهِيَ الرِّقَابُ قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْشَدَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى هَذَا فِي قَوْلِهِ تعالى: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ [مُحَمَّدٍ: ٤] وَقَالَ وَكِيعٌ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لأعذب بعذاب الله، إنما بعثت لضرب الرِّقَابِ وَشَدِّ الْوَثَاقِ» وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّهَا قَدْ تَدُلُّ عَلَى ضَرْبِ الرِّقَابِ وَفَلْقِ الْهَامِ، قُلْتُ وَفِي مَغَازِي الْأُمَوِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَمُرُّ بَيْنَ الْقَتْلَى يَوْمَ بَدْرٍ فَيَقُولُ «نُفَلِّقُ هَامًا» فَيَقُولُ أبو بكر: [الطويل]
مِنْ رِجَالٍ أَعِزَّةٍ عَلَيْنَا | وَهُمْ كَانُوا أَعَقَّ وَأَظْلَمَا «١» |
معناه واضربوا من عدوكم أيها المؤمنون كُلَّ طَرَفٍ وَمِفْصَلٍ مِنْ أَطْرَافِ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ، والبنان جمع بنانة كما قال الشاعر: [الطويل]
ألا ليتني قطعت مني بَنَانَةً | وَلَاقَيْتُهُ فِي الْبَيْتِ يَقْظَانَ حَاذِرًا «٣» |
وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ قَالَ اضْرِبْ مِنْهُ الْوَجْهَ وَالْعَيْنَ وَارْمِهِ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ فإذا أخذته حرم
(٢) تفسير الطبري ٦/ ١٩٧.
(٣) البيت لعباس بن مرداس في ديوانه ص ١٢٥، وتاج العروس (بنن)، وتفسير الطبري ٦/ ١٩٧.