قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ فَكُنْتُ فِيمَنِ انْجَفَلَ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ عَرَفَتْ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ رَجُلٍ كَذَّابٍ قال: فَكَانَ أَوَّلَ مَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصِلُوا الْأَرْحَامَ وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ» «١» ولما قدم وفد ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْمِهِ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ فِيمَا قَالَ لَهُ مَنْ رَفَعَ هَذِهِ السَّمَاءَ؟ قَالَ: «اللَّهُ» قَالَ: وَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ قَالَ «اللَّهُ» قَالَ: وَمَنْ سَطَحَ هَذِهِ الْأَرْضَ؟ قَالَ: «اللَّهُ» قال: فبالذي رفع السَّمَاءَ وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ وَسَطَحَ هَذِهِ الْأَرْضَ اللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ» ثُمَّ سَأَلَهُ عَنِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالصِّيَامِ، وَيَحْلِفُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ هَذِهِ الْيَمِينَ ويحلف لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ:
صَدَقْتَ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا أَنْقُصُ، فَاكْتَفَى هَذَا الرَّجُلُ بِمُجَرَّدِ هَذَا، وَقَدْ أَيْقَنَ بِصِدْقِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ بِمَا رَأَى وَشَاهَدَ مِنَ الدلائل الدالة عليه. وقال حسان بن ثابت: [الطويل]
لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ آيَاتٌ مُبَيِّنَةٌ | كَانَتْ بَدِيهَتُهُ تَأْتِيكَ بِالْخَبَرِ «٢» |
إِلَى غير ذلك من الخرافات والهذيانات التي يأنف الصبيان أن يلفظوا بِهَا إِلَّا عَلَى وَجْهِ السُّخْرِيَةِ وَالِاسْتِهْزَاءِ، وَلِهَذَا أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَهُ، وَشَرِبَ يَوْمَ حَدِيقَةِ الْمَوْتِ حَتْفَهُ، وَمَزَّقَ شَمْلَهُ.
وَلَعَنَهُ صَحْبُهُ وَأَهْلُهُ. وَقَدِمُوا عَلَى الصِّدِّيقِ تَائِبِينَ، وَجَاءُوا فِي دِينِ اللَّهِ رَاغِبِينَ فَسَأَلَهُمُ الصِّدِّيقُ خَلِيفَةُ الرَّسُولِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وسلامه عليه ورضي عَنْهُ أَنْ يَقْرَءُوا عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ قُرْآنِ مُسَيْلِمَةَ لَعَنَهُ اللَّهُ فَسَأَلُوهُ أَنْ يُعْفِيَهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَأَبَى عَلَيْهِمْ إِلَّا أَنْ يَقْرَءُوا شَيْئًا مِنْهُ لِيُسْمِعَهُ مَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ النَّاسِ فَيَعْرِفُوا فَضْلَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْهُدَى والعلم فقرأوا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَأَشْبَاهَهُ، فَلَمَّا فَرَغُوا قَالَ لَهُمُ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَيْحَكُمْ أَيْنَ كَانَ يُذْهِبُ بِعُقُولِكُمْ؟ وَاللَّهِ إِنَّ هذا لم
(٢) البيت ليس في ديوان حسان بن ثابت.