كَانَ صَبِيًّا فِي الدَّارِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ «١». وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ فَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» :
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بن السائب عن سعيد بن جبير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَكَلَّمَ أَرْبَعَةٌ وَهُمْ صِغَارٌ» فَذَكَرَ فِيهِمْ شَاهِدَ يُوسُفَ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «تَكَلَّمَ أَرْبَعَةٌ وَهُمْ صِغَارٌ: ابْنُ مَاشِطَةِ بِنْتِ فِرْعَوْنَ، وَشَاهِدُ يُوسُفَ، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ، وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ». وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: كَانَ مِنْ أمر الله تعالى، وَلَمْ يَكُنْ إِنْسِيًّا وَهَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ.
وَقَوْلُهُ: فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ أَيْ لما تَحَقَّقَ زَوْجُهَا صِدْقَ يُوسُفَ وَكَذِبَهَا فِيمَا قَذَفَتْهُ وَرَمَتْهُ بِهِ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ أَيْ إِنَّ هَذَا الْبُهْتَ وَاللَّطْخَ الَّذِي لَطَّخْتِ عِرْضَ هَذَا الشَّابِّ بِهِ مِنْ جُمْلَةِ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ، ثُمَّ قَالَ آمِرًا لِيُوسُفَ عَلَيْهِ السلام بكتمان ما وقع يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا أَيِ اضْرِبْ عَنْ هذا صفحا، أي فَلَا تَذْكُرْهُ لِأَحَدٍ.
وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ يَقُولُ لِاِمْرَأَتِهِ وَقَدْ كَانَ لَيِّنَ الْعَرِيكَةِ سَهْلًا أَوْ أَنَّهُ عَذَرَهَا لِأَنَّهَا رَأَتْ مَا لَا صَبْرَ لَهَا عنه فقال لها: استغفري لِذَنْبِكِ أَيِ الَّذِي وَقَعَ مِنْكِ مِنْ إِرَادَةِ السُّوءِ بِهَذَا الشَّابِّ ثُمَّ قَذْفِهِ بِمَا هُوَ بريء منه إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٣٠ الى ٣٤]
وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٠) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١) قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢) قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤)
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّ خَبَرَ يُوسُفَ وَاِمْرَأَةِ الْعَزِيزِ، شَاعَ فِي الْمَدِينَةِ وَهِيَ مِصْرُ حَتَّى تَحَدَّثَ به الناس وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ مثل نساء الكبراء والأمراء، يُنْكِرْنَ عَلَى امْرَأَةِ الْعَزِيزِ وَهُوَ الْوَزِيرُ وَيَعِبْنَ ذلك عليها امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ أَيْ تُحَاوِلُ غُلَامَهَا عَنْ نَفْسِهِ وَتَدْعُوهُ إِلَى نَفْسِهَا قَدْ شَغَفَها حُبًّا أَيْ قَدْ وَصَلَ حُبُّهُ إِلَى شَغَافِ قَلْبِهَا وَهُوَ غِلَافُهُ. قَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الشَّغَفُ الْحُبُّ الْقَاتِلُ، وَالشَّغَفُ دُونَ ذَلِكَ، وَالشَّغَافُ حِجَابُ الْقَلْبِ إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ أَيْ فِي صَنِيعِهَا هَذَا مِنْ حُبِّهَا فَتَاهَا وَمُرَاوَدَتِهَا إِيَّاهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ قال بعضهم: بقولهن ذهب الحب بها، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: بَلْ بَلَغَهُنَّ حُسْنُ

(١) تفسير الطبري ٧/ ١٩١.
(٢) تفسير الطبري ٧/ ١٩٢.


الصفحة التالية
Icon