رَوَى الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وقَتَادَةَ ومِقْسَمٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ نَحْوُ ذَلِكَ، وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُ أَمْرَ اللَّهِ حَتَّى إِذَا اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ فَمَكَرَتْ بِهِ وَأَرَادُوا بِهِ مَا أَرَادُوا أَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فأمره أن لا يَبِيتَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي كَانَ يَبِيتُ فِيهِ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يَبِيتَ على فراشه ويتسجى بِبُرْدٍ لَهُ أَخْضَرَ فَفَعَلَ ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْقَوْمِ وَهُمْ عَلَى بَابِهِ، وَخَرَجَ مَعَهُ بِحَفْنَةٍ مِنْ تراب فجعل يذرها على رؤوسهم وَأَخَذَ اللَّهُ بِأَبْصَارِهِمْ عَنْ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ- إِلَى قَوْلِهِ- فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ [يس: ٩]، وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ مَا يُؤَكِّدُ هَذَا.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكِ يَا بُنَيَّةُ؟» قَالَتْ يَا أَبَتِ وما لِي لَا أَبْكِي وَهَؤُلَاءِ الْمَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ في الحجر يتعاهدون بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةِ الْأُخْرَى لَوْ قَدْ رَأَوْكَ لَقَامُوا إِلَيْكَ فَيَقْتُلُونَكَ وَلَيْسَ مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ قَدْ عَرَفَ نَصِيبَهُ مِنْ دَمِكَ، فَقَالَ: «يَا بُنَيَّةُ ائْتِنِي بِوَضُوءٍ» فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المسجد فلما رأوه قالوا: ها هو ذا فطأطأوا رؤوسهم وسقطت رقابهم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَلَمْ يَرْفَعُوا أَبْصَارَهُمْ فَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبضة من تُرَابٍ فَحَصَبَهُمْ بِهَا وَقَالَ: «شَاهَتِ الْوُجُوهُ» فَمَا أَصَابَ رَجُلًا مِنْهُمْ حَصَاةٌ مِنْ حَصَيَاتِهِ إِلَّا قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا، ثُمَّ قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ الْجَزَرِيُّ، عن مقسم مولى ابن عباس أخبره ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الآية قَالَ: تَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ لَيْلَةً بِمَكَّةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا أَصْبَحَ فَأَثْبِتُوهُ بِالْوِثَاقِ يُرِيدُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلِ اقْتُلُوهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ أَخْرِجُوهُ فَأَطْلَعُ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ فَبَاتَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَحِقَ بِالْغَارِ وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا يَحْسَبُونَهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا إِلَيْهِ فَلَمَّا رَأَوْا عَلِيًّا رَدَّ اللَّهُ تَعَالَى مَكْرَهُمْ فَقَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُكَ هَذَا؟ قَالَ لَا أَدْرِي، فاقتصوا أَثَرَهُ فَلَمَّا بَلَغُوا الْجَبَلَ اخْتَلَطَ عَلَيْهِمْ فَصَعَدُوا فِي الْجَبَلِ فَمَرُّوا بِالْغَارِ فَرَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْجَ الْعَنْكَبُوتِ فَقَالُوا لَوْ دَخَلَ هَاهُنَا لَمْ يَكُنْ نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ فَمَكَثَ فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي قَوْلِهِ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ أَيْ فَمَكَرْتُ بِهِمْ بِكَيْدِيَ المتين حتى خلصتك منهم.

(١) المسند ١/ ٣٤٨.


الصفحة التالية
Icon