قَالَ: وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ، وَقَالَ: فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ قَالَ: رَوْحٌ مِنْ جِهَةِ الْمَوْتِ، وَرَيْحَانٌ يُتَلَقَّى بِهِ، وَجَنَّةُ نَعِيمٍ تُقَابِلُهُ.
قَالَ: فَإِذَا قَبَضَ مَلَكُ الْمَوْتِ رُوحَهُ، قَالَتِ الرُّوحُ لِلْجَسَدِ: جَزَاكَ اللَّهُ عَنِّي خَيْرًا، فَقَدْ كُنْتَ سَرِيعًا بِي إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ، بَطِيئًا بِي عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَقَدْ نَجَيْتَ وَأَنْجَيْتَ، قَالَ: وَيَقُولُ الْجَسَدُ لِلرُّوحِ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: وَتَبْكِي عَلَيْهِ بِقَاعُ الْأَرْضِ الَّتِي كَانَ يُطِيعُ اللَّهَ فِيهَا، وَكُلُّ بَابٍ مِنَ السَّمَاءِ يَصْعَدُ مِنْهُ عَمَلُهُ وَيَنْزِلُ مِنْهُ رِزْقُهُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، قَالَ: فَإِذَا قَبَضَ مَلَكُ الْمَوْتِ رُوحَهُ، أَقَامَتِ الْخَمْسُمِائَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عِنْدَ جَسَدِهِ، فَلَا يَقْلُبُهُ بَنُو آدَمَ لِشِقٍّ إِلَّا قَلَبَتْهُ الْمَلَائِكَةُ قَبْلَهُمْ، وَغَسَّلَتْهُ وَكَفَّنَتْهُ بِأَكْفَانٍ قَبْلَ أَكْفَانِ بَنِي آدَمَ، وَحَنُوطٍ قَبْلَ حَنُوطِ بني آدم، ويقوم من باب بيته إلى قَبْرِهِ صَفَّانِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَسْتَقْبِلُونَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ، فَيَصِيحُ عِنْدَ ذَلِكَ إِبْلِيسُ صَيْحَةً تَتَصَدَّعُ مِنْهَا عِظَامُ جَسَدِهِ، قَالَ: وَيَقُولُ لِجُنُودِهِ: الْوَيْلُ لَكُمْ كَيْفَ خَلَصَ هَذَا الْعَبْدُ مِنْكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: إِنَّ هَذَا كَانَ عَبْدًا مَعْصُومًا.
قَالَ: فَإِذَا صَعِدَ مَلَكُ الْمَوْتِ بِرُوحِهِ يَسْتَقْبِلُهُ جِبْرِيلُ فِي سَبْعِينَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، كُلٌّ يَأْتِيهِ بِبِشَارَةٍ مِنْ رَبِّهِ سِوَى بِشَارَةِ صَاحِبِهِ، قَالَ: فَإِذَا انْتَهَى مَلَكُ الْمَوْتِ بِرُوحِهِ إِلَى الْعَرْشِ، خَرَّ الرُّوحُ سَاجِدًا، قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَلَكِ الْمَوْتِ: انْطَلِقْ بِرُوحِ عَبْدِي فَضَعْهُ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ، وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ، وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ.
قَالَ: فَإِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ جَاءَتْهُ الصَّلَاةُ فَكَانَتْ عَنْ يَمِينِهِ، وَجَاءَهُ الصِّيَامُ فَكَانَ عَنْ يَسَارِهِ، وَجَاءَهُ الْقُرْآنُ فَكَانَ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَجَاءَهُ مَشْيُهُ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَانَ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، وَجَاءَهُ الصَّبْرُ فَكَانَ نَاحِيَةَ الْقَبْرِ، قَالَ: فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَزَّ وجل عنقا من العذاب، قالوا: فَيَأْتِيهِ عَنْ يَمِينِهِ، قَالَ: فَتَقُولُ الصَّلَاةُ وَرَاءَكَ: وَاللَّهِ مَا زَالَ دَائِبًا عُمْرَهُ كُلَّهُ وَإِنَّمَا اسْتَرَاحَ الْآنَ حِينَ وُضِعَ فِي قَبْرِهِ قَالَ: فَيَأْتِيهِ عَنْ يَسَارِهِ فَيَقُولُ الصِّيَامُ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: ثُمَّ يَأْتِيهِ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ فَيَقُولُ الْقُرْآنُ وَالذِّكْرُ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ: ثُمَّ يَأْتِيهِ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ فَيَقُولُ مَشْيُهُ إِلَى الصَّلَاةِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَا يَأْتِيهِ الْعَذَابُ مِنْ نَاحِيَةٍ يلتمس هل يجد إليه مُسَاغًا إِلَّا وَجَدَ وَلِيَّ اللَّهِ قَدْ أَخَذَ جُنَّتَهُ، قَالَ: فَيَنْقَمِعُ الْعَذَابُ عِنْدَ ذَلِكَ فَيَخْرُجُ، قَالَ: وَيَقُولُ الصَّبْرُ لِسَائِرِ الْأَعْمَالِ أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أُبَاشِرَ أَنَا بِنَفْسِي، إِلَّا أَنِّي نَظَرْتُ مَا عِنْدَكُمْ فَإِنْ عَجَزْتُمْ كُنْتُ أنا صاحبه، فأما إذا أَجَزَأْتُمْ عَنْهُ فَأَنَا لَهُ ذُخْرٌ عِنْدَ الصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ.
قَالَ: وَيَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكَيْنِ أَبْصَارُهُمَا كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ، وَأَصْوَاتُهُمَا كَالرَّعْدِ الْقَاصِفِ، وَأَنْيَابُهُمَا كَالصَّيَاصِي، وَأَنْفَاسُهُمَا كَاللَّهَبِ، يَطَآنِ فِي أَشْعَارِهِمَا بَيْنَ مَنْكِبِ كُلِّ وَاحِدٍ مَسِيرَةُ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ نُزِعَتْ مِنْهُمَا الرَّأْفَةُ وَالرَّحْمَةُ، يُقَالُ لَهُمَا مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ، فِي يد كل واحد منهما مطرقة لو اجتمع عَلَيْهَا رَبِيعَةُ وَمُضَرُ لَمْ يُقِلُّوهَا، قَالَ: فَيَقُولَانِ لَهُ: اجْلِسْ، قَالَ: فَيَجْلِسُ فَيَسْتَوِي


الصفحة التالية
Icon