وَلِهَذَا جَعَلَ ذَلِكَ كَثِيرُونَ مِنَ الْخَصَائِصِ لَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّ الْخُمُسَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْمَصْلَحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ، كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ الْفَيْءِ، وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَكْثَرُ السَّلَفِ، وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَعُلِمَ، فَقَدِ اخْتُلِفَ أَيْضًا فِي الَّذِي كَانَ يَنَالُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْخُمُسِ، مَاذَا يُصْنَعُ بِهِ مَنْ بَعْدَهُ، فَقَالَ قَائِلُونَ يَكُونُ لِمَنْ يَلِي الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ، رُوِيَ هَذَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ وقَتَادَةَ وَجَمَاعَةٍ. وَجَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، وَقَالَ آخَرُونَ: يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ مَرْدُودٌ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ، ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، اخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ سَهْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى، مَرْدُودَانِ عَلَى الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَذَلِكَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَقِيلَ إِنَّ الْخُمُسَ جَمِيعُهُ لِذَوِي الْقُرْبَى، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا عبد الغفار، حدثنا المنهال بن عمرو، سألت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَعَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عَنِ الْخُمُسِ، فَقَالَا:
هُوَ لَنَا، فَقُلْتُ لِعَلِيٍّ: فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَقَالَا: يَتَامَانَا وَمَسَاكِينُنَا، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ قَيْسِ بن مسلم، سألت الحسن بن محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ فقال: هَذَا مِفْتَاحُ كَلَامٍ، لِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَيْنَ السَّهْمَيْنِ، بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال قَائِلُونَ: سَهْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسليما للخليفة من بعده، وقال آخرون لِقَرَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ آخرون: سهم القرابة لقرابة الخليفة، واجتمع رأيهم أَنْ يَجْعَلُوا هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ فِي الْخَيْلِ وَالْعُدَّةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَكَانَا عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «٢».
قَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ يَجْعَلَانِ سَهْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ، فَقُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ مَا كان علي يقول فيه؟ قال: كان أَشَدَّهُمْ فِيهِ «٣»، وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَأَمَّا سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى، فَإِنَّهُ يُصْرَفُ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، لأن بني المطلب ووازروا بَنِي هَاشِمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَدَخَلُوا مَعَهُمْ فِي الشِّعْبِ غَضَبًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحِمَايَةً لَهُ، مُسْلِمُهُمْ طَاعَةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَكَافِرُهُمْ حَمِيَّةً لِلْعَشِيرَةِ وَأَنَفَةً وطاعة لأبي طَالِبٍ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنُو نَوْفَلٍ، وَإِنْ كانوا بني عَمِّهِمْ، فَلَمْ يُوَافِقُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ حَارَبُوهُمْ ونابذوهم ومالؤوا بطون قريش على حرب الرسول، ولهذا
(٢) تفسير الطبري ٦/ ٢٥٣.
(٣) تفسير الطبري ٦/ ٢٥٣.