فَهْمَهُ وَتَدَبُّرَهُ، وَلَمْ يُخْبِرْنَا بِمَكَانِ هَذَا الْكَهْفِ فِي أَيِّ الْبِلَادِ مِنَ الْأَرْضِ، إِذْ لَا فَائِدَةٌ لَنَا فِيهِ وَلَا قَصْدٌ شَرْعِيٌّ، وَقَدْ تَكَلَّفَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فَذَكَرُوا فِيهِ أَقْوَالًا، فَتَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ:
هُوَ قَرِيبٌ مِنْ أَيْلَةَ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: هُوَ عِنْدَ نِينَوَى. وَقِيلَ: بِبِلَادِ الرُّومِ. وَقِيلَ: بِبِلَادِ الْبَلْقَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَيِّ بِلَادِ اللَّهِ هُوَ، وَلَوْ كَانَ لَنَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ لَأَرْشَدْنَا اللَّهُ تعالى ورسوله إليه، فقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَكْتُ شَيْئًا يُقَرِّبُكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ إِلَّا وَقَدْ أَعْلَمْتُكُمْ بِهِ» فَأَعْلَمَنَا تَعَالَى بِصِفَتِهِ، وَلَمْ يُعْلِمْنَا بِمَكَانِهِ، فَقَالَ: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ قَالَ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: تَمِيلُ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ أَيْ في متسع منه داخلا بحيث لا تصبيهم، إِذْ لَوْ أَصَابَتْهُمْ لَأَحْرَقَتْ أَبْدَانَهُمْ وَثِيَابَهُمْ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ حَيْثُ أرشدهم إِلَى هَذَا الْغَارِ الَّذِي جَعَلَهُمْ فِيهِ أَحْيَاءً وَالشَّمْسُ وَالرِّيحُ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ فِيهِ لِتَبْقَى أَبْدَانُهُمْ، ولهذا قال تعالى: ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ الآية، أَيْ هُوَ الَّذِي أَرْشَدَ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةَ إِلَى الْهِدَايَةِ مِنْ بَيْنِ قَوْمِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ اهْتَدَى، وَمَنْ أَضَلَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٨]
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (١٨)
ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ لَمَّا ضَرَبَ اللَّهُ عَلَى آذَانِهِمْ بِالنَّوْمِ، لَمْ تَنْطَبِقْ لِئَلَّا يُسْرِعَ إِلَيْهَا الْبِلَى، فَإِذَا بَقِيَتْ ظَاهِرَةً لِلْهَوَاءِ كَانَ أَبْقَى لَهَا، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ الذِّئْبِ أَنَّهُ يَنَامُ فَيُطْبِقُ عَيْنًا وَيَفْتَحُ عَيْنًا، ثُمَّ يَفْتَحُ هَذِهِ وَيُطْبِقُ هَذِهِ وَهُوَ رَاقِدٌ، كما قال الشاعر: [الطويل]
يَنَامُ بِإِحْدَى مُقْلَتَيْهِ وَيَتَّقِي | بِأُخْرَى الرَّزَايَا فَهْوَ يَقْظَانُ نَائِمُ «١» |
وَقِيلَ: بِالصَّعِيدِ وَهُوَ التُّرَابُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بِالْفِنَاءِ وَهُوَ الْبَابُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ
بأخرى الأعادي فهو يقظان هاجع والبيت لحميد بن ثور في ديوانه ص ١٠٥، وأمالي المرتضى ٢/ ٢١٣، وخزانة الأدب ٤/ ٢٩٢، والشعر والشعراء ١/ ٣٩٨، والمقاصد النحوية ١/ ٥٦٢، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٢١٤، وشرح الأشموني ١/ ١٠٦، وشرح ابن عقيل ص ١٣٢.