طرفه تحت رجليه وطرفه عند رَأْسِهِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، وقال: هل بأرضي مِنْ سَلَامٍ؟ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى، قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: جِئْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتُ رشدا.
قال: أما يكفيك أن التوراة بيديك وَأَنَّ الْوَحْيَ يَأْتِيكَ يَا مُوسَى، إِنَّ لِي عِلْمًا لَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَعْلَمَهُ، وَإِنَّ لَكَ عِلْمًا لَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَعْلَمَهُ، فَأَخَذَ طَائِرٌ بِمِنْقَارِهِ مِنَ الْبَحْرِ فَقَالَ: وَاللَّهُ مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ فِي جَنْبِ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَمَا أَخَذَ هَذَا الطَّائِرُ بِمِنْقَارِهِ مِنَ الْبَحْرِ، حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ وَجَدَا مَعَابِرَ صِغَارًا تَحْمِلُ أَهْلَ هَذَا السَّاحِلِ إِلَى هَذَا السَّاحِلِ الْآخَرِ، عَرَفُوهُ فَقَالُوا: عَبْدُ اللَّهِ الصالح، قال: فقلنا لسعيد بن جبير خَضِرٌ، قَالَ: نَعَمْ لَا نَحْمِلُهُ بِأَجْرٍ، فَخَرَقَهَا وَوَتَدَ فِيهَا وَتَدًا، قَالَ مُوسَى أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً قَالَ مُجَاهِدٌ: مُنْكِرًا، قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً كانت الأولى نسيانا، والثانية شَرْطًا، وَالثَّالِثَةُ عَمْدًا، قالَ لَا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ.
قَالَ يَعْلَى: قَالَ سَعِيدٌ: وَجَدَ غِلْمَانًا يَلْعَبُونَ، فَأَخَذَ غُلَامًا كَافِرًا ظَرِيفًا فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ بِالسِّكِّينِ، فَقَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زكية لم تعمل الحنث؟ وابن عباس قرأها زكية مُسْلِمَةً كَقَوْلِكَ غُلَامًا زَكِيًّا، فَانْطَلَقَا فَوَجَدَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ، قَالَ سَعِيدٌ: بِيَدِهِ هكذا ودفع بِيَدِهِ فَاسْتَقَامَ، قَالَ: لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أجرا، قَالَ يَعْلَى: حَسِبْتُ أَنَّ سَعِيدًا قَالَ: فَمَسْحَهُ بِيَدِهِ فَاسْتَقَامَ، قَالَ: لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا، قَالَ سَعِيدٌ: أَجْرًا نَأْكُلُهُ، وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ، وَكَانَ أَمَامَهُمْ، قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَزْعُمُونَ، عَنْ غَيْرِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ هُدَدُ بْنُ بُدَدَ، وَالْغُلَامُ الْمَقْتُولُ اسْمُهُ يَزْعُمُونَ جَيْسُورُ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا، فَأَرَدْتُ إِذَا هِيَ مَرَّتْ بِهِ أَنْ يَدَعَهَا بِعَيْبِهَا، فَإِذَا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها، منهم مَنْ يَقُولُ سَدُّوهَا بِقَارُورَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بالقار، كان أبواه مؤمنين، وكان هو كَافِرًا، فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا أَنْ يَحْمِلَهُمَا حُبُّهُ عَلَى أَنْ يُتَابِعَاهُ عَلَى دِينِهِ، فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً، كقوله: أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً، وقوله: وَأَقْرَبَ رُحْماً هُمَا بِهِ أَرْحَمُ مِنْهُمَا بِالْأَوَّلِ الَّذِي قَتَلَ خَضِرٌ، وَزَعَمَ غَيْرُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُمَا أُبْدِلَا جَارِيَةً، وَأَمَّا دَاوُدُ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ فَقَالَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ: إِنَّهَا جارية.
قال عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عن ابن عباس قَالَ:
خَطَبَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ: مَا أَحَدٌ أَعْلَمُ بِاللَّهِ وَبِأَمْرِهِ مِنِّي، فَأُمِرَ أَنْ يَلْقَى هَذَا الرَّجُلَ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ بِزِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: جَلَسْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِنْدَهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ إِنَّ نَوْفًا ابْنَ امْرَأَةِ كَعْبٍ يَزْعُمُ عَنْ كَعْبٍ أَنَّ مُوسَى النَّبِيَّ الَّذِي طَلَبَ الْعَالَمَ إِنَّمَا هُوَ مُوسَى بْنُ مِيشَا، قَالَ سَعِيدٌ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَوْفٌ يَقُولُ هذا يا سَعِيدٌ؟ فَقُلْتُ لَهُ: نَعَمْ أَنَا سَمِعْتُ نَوْفًا يَقُولُ ذَلِكَ، قَالَ: أَنْتِ سَمِعْتَهُ يَا سَعِيدُ؟ قال: نعم،