عَنِ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ، وَجَاءَ ذِكْرُهُ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَأَشْهَرُهَا حديث التَّعْزِيَةِ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.
وَرَجَّحَ آخَرُونَ مِنَ الْمُحْدَثِينَ وَغَيْرِهِمْ خِلَافَ ذَلِكَ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ [الْأَنْبِيَاءِ: ٣٤] وَبِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ «اللَّهُمَّ إِنَّ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ» «١» وَبِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ إِنَّهُ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا حَضَرَ عِنْدَهُ وَلَا قَاتَلَ مَعَهُ، وَلَوْ كَانَ حَيًّا لَكَانَ مِنْ أَتْبَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى جَمِيعِ الثَّقْلَيْنِ:
الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَقَدْ قال: «لَوْ كَانَ مُوسَى وَعِيسَى حَيَّيْنِ لَمَا وَسِعَهُمَا إِلَّا اتِّبَاعِي» وَأَخْبَرَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِقَلِيلٍ أَنَّهُ لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ إِلَى مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ لَيْلَتِهِ تِلْكَ عَيْنٌ تَطْرِفُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الدَّلَائِلِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَضِرِ قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ خَضِرًا لِأَنَّهُ جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز من تحته خَضْرَاءَ» وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَيْضًا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّي الْخَضِرُ لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ، فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ من تحته خَضْرَاءَ» «٣» وَالْمُرَادُ بِالْفَرْوَةِ هَاهُنَا الْحَشِيشُ الْيَابِسُ وَهُوَ الْهَشِيمُ مِنَ النَّبَاتِ، قَالَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ؟؟؟. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ وَجْهُ الْأَرْضِ. وَقَوْلُهُ: ذلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً أَيْ هَذَا تَفْسِيرُ مَا ضِقْتَ بِهِ ذَرْعًا، وَلَمْ تَصْبِرْ حَتَّى أُخْبِرَكَ بِهِ ابْتِدَاءً، وَلَمَّا أَنْ فَسَّرَهُ له وبينه ووضحه وأزال المشكل قال تَسْطِعْ وَقَبْلَ ذَلِكَ كَانَ الْإِشْكَالُ قَوِيًّا ثَقِيلًا، فَقَالَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً، فَقَابَلَ الْأَثْقَلَ بِالْأَثْقَلِ، وَالْأَخَفَّ بِالْأَخَفِّ، كَمَا قال: فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَهُوَ الصُّعُودُ إِلَى أَعْلَاهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً [الْكَهْفِ: ٩٧] وَهُوَ أَشَقُّ مِنْ ذَلِكَ، فَقَابَلَ كُلًّا بِمَا يُنَاسِبُهُ لَفْظًا وَمَعْنَى، وَاللَّه أَعْلَمُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا بَالُ فَتَى مُوسَى ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الْقِصَّةِ ثُمَّ لَمْ يُذْكَرْ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالسِّيَاقِ إِنَّمَا هُوَ قِصَّةُ مُوسَى مَعَ الْخَضِرِ وَذِكْرُ مَا كَانَ بَيْنَهُمَا، وَفَتَى مُوسَى مَعَهُ تَبَعٌ، وَقَدْ صُرِّحَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَلِي بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ موسى عليه السلام، هذا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حَمِيْدٍ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ: حَدَّثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ نَسْمَعْ لِفَتَى مُوسَى بذكر من حديث، وقد كان معه؟ قال ابن
(٢) المسند ٢/ ٣١٢، ٣١٨.
(٣) أخرجه البخاري في الأنبياء باب ٢٧.