الْعَلَاءُ بْنُ الْحَارِثِ الْكُوفِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ: قَالَ: قَالَتْ مَرْيَمُ عَلَيْهَا السَّلَامُ: كُنْتُ إِذَا خَلَوْتُ حَدَّثَنِي عِيسَى وَكَلَّمَنِي وَهُوَ فِي بَطْنِي، وَإِذَا كُنْتُ مَعَ النَّاسِ سَبَّحَ فِي بَطْنِي وَكَبَّرَ.
وَقَوْلُهُ: وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا من تمام كَلَامِ جِبْرِيلَ لِمَرْيَمَ، يُخْبِرُهَا أَنَّ هَذَا أَمْرٌ مقدر في علم الله تعالى وقدرته وَمَشِيئَتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَبَرِ اللَّهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ كَنَّى بِهَذَا عَنِ النَّفْخِ فِي فَرْجِهَا، كما قال تَعَالَى: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا [التَّحْرِيمِ: ١٢] وَقَالَ: وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا [الْأَنْبِيَاءِ: ٩١] قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا أَيْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ عَزَمَ عَلَى هَذَا فَلَيْسَ مِنْهُ بُدٌّ، وَاخْتَارَ هَذَا أَيْضًا ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٢٢ الى ٢٣]
فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (٢٢) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (٢٣)
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ مَرْيَمَ أَنَّهَا لَمَّا قَالَ لَهَا جِبْرِيلُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى مَا قَالَ، إِنَّهَا اسْتَسْلَمَتْ لِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، فَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ من علماء السلف أن الملك وهو جبرائيل عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ ذَلِكَ نَفَخَ فِي جَيْبِ دِرْعِهَا، فَنَزَلَتِ النَّفْخَةُ حَتَّى وَلَجَتْ فِي الْفَرْجِ فَحَمَلَتْ بِالْوَلَدِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمَّا حَمَلَتْ به ضاقت ذرعا، وَلَمْ تَدْرِ مَاذَا تَقُولُ لِلنَّاسِ، فَإِنَّهَا تَعْلَمُ أَنَّ النَّاسَ لَا يُصَدِّقُونَهَا فِيمَا تُخْبِرُهُمْ بِهِ، غَيْرَ أَنَّهَا أَفْشَتْ سِرَّهَا وَذَكَرَتْ أَمْرَهَا لِأُخْتِهَا امْرَأَةِ زَكَرِيَّا، وَذَلِكَ أَنَّ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ قَدْ سَأَلَ اللَّهَ الْوَلَدَ فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ، فَحَمَلَتِ امْرَأَتُهُ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهَا مَرْيَمُ، فَقَامَتْ إِلَيْهَا فَاعْتَنَقَتْهَا وَقَالَتْ: أَشَعَرْتِ يَا مَرْيَمُ أَنِّي حُبْلَى؟ فَقَالَتْ لَهَا مَرْيَمُ: وَهَلْ عَلِمْتِ أَيْضًا أَنِّي حُبْلَى، وَذَكَرَتْ لَهَا شَأْنَهَا وَمَا كَانَ مِنْ خَبَرِهَا، وَكَانُوا بَيْتَ إِيمَانٍ وَتَصْدِيقٍ، ثُمَّ كَانَتِ امْرَأَةُ زَكَرِيَّا بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا وَاجَهَتْ مريم تجد الذي في بطنها يَسْجُدُ لِلَّذِي فِي بَطْنِ مَرْيَمَ، أَيْ يُعَظِّمُهُ وَيَخْضَعُ لَهُ، فَإِنَّ السُّجُودَ كَانَ فِي مِلَّتِهِمْ عِنْدَ السَّلَامِ مَشْرُوعًا، كَمَا سَجَدَ لِيُوسُفَ أَبَوَاهُ وإخوته، وكما أمر الله الملائكة أن يسجدوا لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَكِنْ حُرِّمَ فِي مِلَّتِنَا هَذِهِ تَكْمِيلًا لِتَعْظِيمِ جَلَالِ الرَّبِّ تَعَالَى.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: قُرِئَ عَلَى الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: بَلَغَنِي أَنَّ عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا عليهما السلام ابْنَا خَالَةٍ، وَكَانَ حَمْلُهُمَا جَمِيعًا مَعًا، فَبَلَغَنِي أَنَّ أُمَّ يَحْيَى قَالَتْ لِمَرْيَمَ: إِنِّي أَرَى أَنَّ مَا فِي بَطْنِي يَسْجُدُ لِمَا فِي بَطْنِكِ. قَالَ مَالِكٌ: أَرَى ذَلِكَ لِتَفْضِيلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَيُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مُدَّةِ حَمْلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَالْمَشْهُورُ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا حَمَلَتْ بِهِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ، قَالَ: وَلِهَذَا لَا يَعِيشُ ولد الثمانية أَشْهُرٍ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: