آمِرًا بِهَا لِأَهْلِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى لِرَسُولِهِ: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها [طه: ١٣٢] الآية، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التَّحْرِيمِ: ٦] أَيْ مُرُوهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَا تَدَعُوهُمْ هَمْلًا، فَتَأْكُلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ. رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ» «١» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ مِنَ اللَّيْلِ وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ، كُتِبَا مِنَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ» «٢» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وابن ماجة واللفظ له.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٥٦ الى ٥٧]
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٥٦) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (٥٧)
ذِكْرُ إِدْرِيسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا، وَأَنَّ اللَّهَ رَفَعَهُ مَكَانًا عَلِيًّا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ وَهُوَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ «٣» هَاهُنَا أَثَرًا غَرِيبًا عَجِيبًا فَقَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ قَالَ: سَأَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَعْبًا وَأَنَا حَاضِرٌ فَقَالَ لَهُ: مَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِإِدْرِيسَ وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا فَقَالَ كَعْبٌ: أَمَّا إِدْرِيسُ، فَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيْهِ أَنِّي أَرْفَعُ لَكَ كُلَّ يَوْمٍ مِثْلَ عَمَلِ جَمِيعِ بَنِي آدَمَ، فَأَحَبَّ أَنْ يَزْدَادَ عَمَلًا، فَأَتَاهُ خَلِيلٌ لَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فقال له: إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ كَذَا وَكَذَا، فَكَلِّمْ لِي مَلَكَ الْمَوْتِ فَلْيُؤَخِّرْنِي حَتَّى أَزْدَادَ عَمَلًا، فَحَمَلَهُ بَيْنَ جَنَاحَيْهِ حَتَّى صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَلَمَّا كَانَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ تَلَقَّاهُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ مُنْحَدِرًا، فَكَلَّمَ مَلَكَ الْمَوْتِ فِي الَّذِي كَلَّمَهُ فِيهِ إِدْرِيسُ، فَقَالَ: وَأَيْنَ إِدْرِيسُ؟ فقال: هوذا على ظهري. قال ملك الموت: العجب، بُعِثْتُ وَقِيلَ لِي: اقْبِضْ رُوحَ إِدْرِيسَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: كَيْفَ أَقْبِضُ رُوحَهُ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَهُوَ فِي الْأَرْضِ؟ فَقَبَضَ رُوْحَهُ هُنَاكَ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا هَذَا مِنْ أَخْبَارِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَفِي بَعْضِهِ نَكَارَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَأَلَ كَعْبًا فَذَكَرَ نَحْوَ ما تقدم، غير أنه
(٢) أخرجه أبو داود في التطوع باب ١٨، وابن ماجة في الإقامة باب ١٧٥.
(٣) تفسير الطبري ٨/ ٣٥٢.