قَالَ لِذَلِكَ الْمَلَكِ: هَلْ لَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ، يَعْنِي مَلَكَ الْمَوْتِ، كَمْ بَقِيَ مِنْ أَجَلِي لِكَيْ أَزْدَادَ مِنَ الْعَمَلِ، وَذَكَرَ بَاقِيَهُ وَفِيهِ: أَنَّهُ لَمَّا سَأَلَهُ عَمَّا بَقِيَ مِنْ أَجْلِهِ، قال: لا أدري حتى أنظر، فنظر ثم قَالَ: إِنَّكَ تَسْأَلُنِي عَنْ رَجُلٍ مَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِهِ إِلَّا طَرْفَةُ عَيْنٍ، فَنَظَرَ الْمَلَكُ تحت جناحه فَإِذَا هُوَ قَدْ قُبِضَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِهِ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ إِدْرِيسَ كَانَ خَيَّاطًا، فَكَانَ لَا يَغْرِزُ إِبْرَةً إِلَّا قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، فَكَانَ يُمْسِي حِينَ يُمْسِي وَلَيْسَ فِي الْأَرْضِ أَحَدٌ أَفْضَلَ عَمَلًا مِنْهُ، وَذَكَرَ بَقِيَّتَهُ كَالَّذِي قَبْلَهُ أَوْ نَحْوَهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا قَالَ إِدْرِيسُ رُفِعَ وَلَمْ يَمُتْ كَمَا رُفِعَ عِيسَى، وَقَالَ سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عن مجاهد وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا قال: السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا قَالَ: رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَمَاتَ بِهَا وَهَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ وَقَالَ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا قال: الجنة.
[سورة مريم (١٩) : آية ٥٨]
أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (٥٨)
يَقُولُ تَعَالَى: هَؤُلَاءِ النَّبِيُّونَ- وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمَذْكُورِينَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فَقَطْ بَلْ جِنْسُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ اسْتَطْرَدَ مِنْ ذِكْرِ الْأَشْخَاصِ إِلَى الْجِنْسِ- الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ الْآيَةَ، قَالَ السُّدِّيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ. فَالَّذِي عَنَى بِهِ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ إِدْرِيسَ، وَالَّذِي عَنَى بِهِ مِنْ ذُرِّيَّةِ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِي عَنَى بِهِ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَإِسْمَاعِيلَ، وَالَّذِي عَنَى بِهِ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْرَائِيلَ مُوسَى وَهَارُونَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَلِذَلِكَ فَرَّقَ أَنْسَابَهُمْ وَإِنْ كَانَ يَجْمَعُ جَمِيعَهُمْ آدَمُ، لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَيْسَ مِنْ وَلَدِ مَنْ كَانَ مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ وَهُوَ إِدْرِيسُ، فَإِنَّهُ جَدُّ نُوحٍ (قُلْتُ) هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّ إِدْرِيسَ فِي عَمُودِ نَسَبِ نُوحٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَقَدْ قيل إنه من أنبياء بني إسرائيل أخذ مِنْ حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ، حَيْثُ قَالَ فِي سَلَامِهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ، وَلَمْ يَقِلْ وَالْوَلَدِ الصَّالِحِ، كَمَا قَالَ آدَمُ وَإِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.
وروى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ أن إدريس أقدم من نوح، فبعثه اللَّهُ إِلَى قَوْمِهِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقُولُوا لَا إله إلا الله، ويعملوا ما شاؤوا، فَأَبَوْا فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ جِنْسُ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا