مَا تَحْتَ هَذِهِ؟ - يَعْنِي الْأَرْضَ-.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَلْقٌ» فَقَالَ: فَمَا تَحْتَهُمْ؟ قَالَ «أَرْضٌ». قَالَ: فَمَا تَحْتَ الْأَرْضِ؟
قَالَ: «الْمَاءُ». قَالَ: فَمَا تَحْتَ الْمَاءِ؟ قَالَ: «ظُلْمَةٌ». قَالَ: فَمَا تَحْتَ الظُّلْمَةِ؟ قَالَ:
«الْهَوَاءُ». قَالَ: فَمَا تَحْتَ الْهَوَاءِ؟ قَالَ: «الثَّرَى». قَالَ: فَمَا تَحْتَ الثَّرَى؟ فَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبُكَاءِ، وَقَالَ: «انقطع علم الخلق عند علم الخالق، أيها السائل ما المسؤول عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ». قَالَ: فَقَالَ صَدَقْتَ، أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ هَلْ تَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ «هَذَا جبريل عليه السلام». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَسِيَاقٌ عَجِيبٌ، تَفَرَّدَ بِهِ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا، وَقَدْ قَالَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ يُسَاوِي شَيْئًا، وَضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا يُعْرَفُ.
قُلْتُ: وَقَدْ خَلَطَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي شَيْءٍ وَحَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَعَمَّدَ ذلك أو أدخل عليه فيه، والله أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى أَيْ أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي خلق الأرض والسموات العلى الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً [الْفَرْقَانِ: ٦] قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى قال: السر ما أسره ابْنُ آدَمَ فِي نَفْسِهِ وَأَخْفى مَا أَخْفَى عَلَى ابْنِ آدَمَ مِمَّا هُوَ فَاعِلُهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَهُ، فَاللَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ كُلَّهُ، فَعِلْمُهُ فِيمَا مَضَى مِنْ ذَلِكَ وَمَا بَقِيَ عِلْمٌ وَاحِدٌ، وَجَمِيعُ الْخَلَائِقِ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ: مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ «١» [لُقْمَانَ: ٢٨] وَقَالَ الضَّحَّاكُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى قَالَ: السِّرُّ مَا تُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَكَ، وَأَخْفَى مَا لَمْ تُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَكَ بَعْدُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنْتَ تَعْلَمُ مَا تُسِرُّ الْيَوْمَ وَلَا تَعْلَمُ مَا تُسِرُّ غَدًا، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّ الْيَوْمَ وَمَا تُسِرُّ غَدًا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَأَخْفى يَعْنِي الْوَسْوَسَةَ، وَقَالَ أَيْضًا هُوَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَخْفى أي ما هو عالمه مِمَّا لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ. وَقَوْلُهُ: اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى أي الذي أنزل عليك القرآن، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى فِي أَوَاخِرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ والمنة.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٩ الى ١٠]
وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (٩) إِذْ رَأى نَارًا فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (١٠)
من هنا شَرَعَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي ذِكْرِ قِصَّةِ مُوسَى، وَكَيْفَ كَانَ ابْتِدَاءُ الْوَحْيِ إِلَيْهِ وَتَكْلِيمُهُ إِيَّاهُ،