يتواضع إلي أَحَدٌ تَوَاضُعَكَ. وَقَوْلُهُ: فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى أَيِ استمع الْآنَ مَا أَقُولُ لَكَ وَأُوحِيهِ إِلَيْكَ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا هَذَا أَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
وَقَوْلُهُ: فَاعْبُدْنِي أَيْ وَحِّدْنِي، وَقُمْ بِعِبَادَتِي مِنْ غَيْرِ شَرِيكٍ وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي قِيلَ: مَعْنَاهُ صَلِّ لِتَذْكُرَنِي، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ عِنْدَ ذِكْرِكَ لِي، وَيَشْهَدُ لِهَذَا الثَّانِي مَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلَاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي»، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا، لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ» «٢». وَقَوْلُهُ: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَيْ قَائِمَةٌ لَا مَحَالَةَ وَكَائِنَةٌ لَا بُدَّ مِنْهَا.
وَقَوْلُهُ: أَكادُ أُخْفِيها قَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: أَكَادُ أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي، يَقُولُ: لِأَنَّهَا لَا تَخْفَى مِنْ نَفْسِ اللَّهِ أَبَدًا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مِنْ نَفْسِهِ:
وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَأَبُو صَالِحٍ وَيَحْيَى بْنُ رَافِعٍ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَكادُ أُخْفِيها يَقُولُ: لَا أُطْلِعُ عَلَيْهَا أَحَدًا غَيْرِي. وَقَالَ السُّدِّيُّ: ليس أحد من أهل السموات والأرض إلا قد أخفى الله تعالى عَنْهُ عِلْمَ السَّاعَةِ وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ إِنِّي أَكَادُ أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي، يَقُولُ: كتمتها من الْخَلَائِقِ حَتَّى لَوِ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَكْتُمَهَا مِنْ نَفْسِي لَفَعَلْتُ. وَقَالَ قَتَادَةُ:
أَكَادُ أُخْفِيهَا، وَهِيَ في بعض القراءات: أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي، وَلَعَمْرِي لَقَدْ أَخْفَاهَا اللَّهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَمِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ. قُلْتُ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النَّمْلِ: ٦٥] وَقَالَ: ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً [الْأَعْرَافِ: ١٨٧] أَيْ ثَقُلَ عِلْمُهَا عَلَى أَهْلِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:
حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا مِنْجَابٌ، حَدَّثَنَا أَبُو نُمَيْلَةَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الْأَسَدِيُّ عَنْ وِقَاءٍ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَكَادُ أَخْفِيهَا، يَعْنِي بِنَصْبِ الْأَلْفِ وَخَفْضِ الْفَاءِ، يَقُولُ أُظْهِرُهَا، ثُمَّ قال أما سمعت قول الشاعر: [الخفيف]

دَأْبَ شَهْرَيْنِ ثُمَّ شَهْرًا دَمِيكًا بِأَرِيكِينَ يَخْفِيَانِ غميرا «٣»
(١) المسند ٣/ ١٨٤.
(٢) أخرجه البخاري في المواقيت باب ٣٧، ومسلم في المساجد حديث ٣١٤.
(٣) يروى البيت:
دأب شهرين نم نصفا دميكا بأريكين يكلمان غميرا
وهو لكعب بن زهير في ديوانه ص ١٧٤، وكتاب الجيم ١/ ٢٦٦، ولسان العرب (دمك). [.....]


الصفحة التالية
Icon