فَهُمْ دَائِبُونَ فِي الْعَمَلِ لَيْلًا وَنَهَارًا، مُطِيعُونَ قَصْدًا وَعَمَلًا، قَادِرُونَ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التَّحْرِيمِ: ٦].
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي دُلَامَةَ الْبَغْدَادِيِّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ صَفْوَانِ بْنِ مُحْرِزٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حزام قال: بينا رسول الله رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ إِذْ قَالَ لَهُمْ «هَلْ تَسْمَعُونَ مَا أَسْمَعُ؟» قَالُوا: مَا نَسْمَعُ مِنْ شَيْءٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنِّي لَأَسْمَعُ أَطِيطَ السَّمَاءِ، وَمَا تُلَامُ أَنْ تَئِطَّ وَمَا فِيهَا مَوْضِعِ شِبْرٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ قَائِمٌ» غَرِيبٌ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
ثُمَّ رواه- أعني ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ- مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ أبي زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ مُرْسَلًا.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ حَسَّانَ بْنِ مُخَارِقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَأَنَا غُلَامٌ، فَقُلْتُ له: أرأيت قول الله تعالى لِلْمَلَائِكَةِ: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لَا يَفْتُرُونَ أَمَا يَشْغَلُهُمْ عَنِ التَّسْبِيحِ الْكَلَامُ وَالرِّسَالَةُ وَالْعَمَلُ. فَقَالَ: من هَذَا الْغُلَامُ؟ فَقَالُوا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قال فقبل رأسي ثم قال: يَا بُنَيَّ إِنَّهُ جَعَلَ لَهُمُ التَّسْبِيحَ كَمَا جَعَلَ لَكُمُ النَّفَسَ أَلَيْسَ تَتَكَلَّمُ وَأَنْتَ تَتَنَفَّسُ وتمشي وأنت تتنفس؟ «١»
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٢١ الى ٢٣]
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢) لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣)
يُنْكِرُ تَعَالَى عَلَى مَنِ اتَّخَذَ مِنْ دُونِهِ آلهة فقال: أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ أَيْ أَهُمْ يُحْيُونَ الْمَوْتَى وَيَنْشُرُونَهُمْ مِنَ الْأَرْضِ، أَيْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَكَيْفَ جَعَلُوهَا لِلَّهِ نِدًّا وَعَبَدُوهَا مَعَهُ؟ ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْوُجُودِ آلهة غيره لفسدت السموات والأرض، فَقَالَ: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ أَيْ فِي السموات وَالْأَرْضِ لَفَسَدَتا كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٩١] وَقَالَ هَاهُنَا: فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ أَيْ عَمَّا يَقُولُونَ إِنَّ لَهُ وَلَدًا أَوْ شَرِيكًا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ عَنِ الَّذِي يَفْتَرُونَ وَيَأْفِكُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
وَقَوْلُهُ لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ أَيْ هُوَ الْحَاكِمُ الَّذِي لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ أَحَدٌ لِعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وعلمه وحكمته وعدله ولطفه، وَهُمْ يُسْئَلُونَ أَيْ وَهُوَ سَائِلٌ خَلْقَهُ عَمَّا يَعْمَلُونَ كَقَوْلِهِ: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ [الْحِجْرِ: ٩٢- ٩٣] وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ [الْمُؤْمِنُونَ: ٨٨].

(١) انظر تفسير الطبري ٩/ ١٤.


الصفحة التالية
Icon