قَلْبِي شُعْبَةٌ إِلَّا قَدْ دَخَلَهُ ذَلِكَ، فَأَخَذْتُ ذلك كله مني، وفرغت قلبي، فليس يحول بيني وبينك شيء، ولو يَعْلَمُ عَدُوِّي إِبْلِيسُ بِالَّذِي صَنَعْتُ حَسَدَنِي. قَالَ: فَلَقِيَ إِبْلِيسُ مِنْ ذَلِكَ مُنْكَرًا «١».
قَالَ: وَقَالَ أَيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ أَعْطَيْتَنِي الْمَالَ وَالْوَلَدَ، فَلَمْ يَقُمْ عَلَى بَابِي أَحَدٌ يَشْكُونِي لِظُلْمٍ ظَلَمْتُهُ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ كَانَ يُوطَأُ لِيَ الْفِرَاشُ فَأَتْرُكُهَا، وَأَقُولُ لِنَفْسِي يا نفس إنك لم تخلقي لوطء الفراش مَا تَرَكْتُ ذَلِكَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ فِي خَبَرِهِ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ، سَاقَهَا ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِالسَّنَدِ عَنْهُ، وَذَكَرَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمُفَسِّرِينَ، وَفِيهَا غَرَابَةٌ تَرَكْنَاهَا لِحَالِ الطُّولِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ مَكَثَ فِي الْبَلَاءِ مُدَّةً طَوِيلَةً ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي السَّبَبِ الْمُهَيِّجِ لَهُ عَلَى هَذَا الدُّعَاءِ، فَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: ابْتُلِيَ أَيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَبْعَ سِنِينَ وَأَشْهُرًا، مُلْقًى عَلَى كُنَاسَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، تَخْتَلِفُ الدَّوَابُّ فِي جَسَدِهِ، ففرج الله عنه وأعظم لَهُ الْأَجْرَ وَأَحْسَنَ عَلَيْهِ الثَّنَاءَ.
وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: مَكَثَ فِي الْبَلَاءِ ثَلَاثَ سِنِينَ، لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَقَالَ السُّدِّيُّ: تَسَاقَطَ لَحْمُ أَيُّوبَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْعَصَبُ والعظام، فكانت امرأته تقوم عليه وتأتيه بالرماد يَكُونُ فِيهِ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ لَمَّا طَالَ وَجَعُهُ: يَا أَيُّوبُ لَوْ دَعَوْتَ رَبَّكَ يُفَرِّجُ عَنْكَ، فَقَالَ: قَدْ عِشْتُ سَبْعِينَ سَنَةً صَحِيحًا، فهو قَلِيلٌ لِلَّهِ أَنْ أَصْبِرَ لَهُ سَبْعِينَ سَنَةً، فَجَزِعَتْ مِنْ ذَلِكَ، فَخَرَجَتْ فَكَانَتْ تَعْمَلُ لِلنَّاسِ بالأجر وَتَأْتِيهِ بِمَا تُصِيبُ فَتُطْعِمُهُ، وَإِنَّ إِبْلِيسَ انْطَلَقَ إلى رجلين من أهل فِلَسْطِينَ، كَانَا صَدِيقَيْنِ لَهُ وَأَخَوَيْنِ، فَأَتَاهُمَا فَقَالَ: أخو كما أَيُّوبُ أَصَابَهُ مِنَ الْبَلَاءِ كَذَا وَكَذَا، فَأْتِيَاهُ وَزُورَاهُ، وَاحْمِلَا مَعَكُمَا مِنْ خَمْرِ أَرْضِكُمَا، فَإِنَّهُ إن شرب منه برىء، فَأَتَيَاهُ فَلَمَّا نَظَرَا إِلَيْهِ بَكَيَا، فَقَالَ:
مَنْ أَنْتُمَا؟ فَقَالَا: نَحْنُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَرَحَّبَ بِهِمَا وَقَالَ: مَرْحَبًا بِمَنْ لَا يَجْفُونِي عِنْدَ الْبَلَاءِ، فَقَالَا: يَا أَيُّوبُ لَعَلَّكَ كُنْتَ تُسِرُّ شَيْئًا وَتُظْهِرُ غَيْرَهُ، فَلِذَلِكَ ابْتَلَاكَ اللَّهُ؟ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلى السماء فقال: هُوَ يَعْلَمُ، مَا أَسْرَرْتُ شَيْئًا أَظْهَرْتُ غَيْرَهُ، ولكن ربي ابتلاني لينظر أصبر أَمْ أَجْزَعُ. فَقَالَا لَهُ: يَا أَيُّوبُ اشْرَبْ مِنْ خَمْرِنَا، فَإِنَّكَ إِنْ شَرِبْتَ مِنْهُ بَرَأْتَ.
قَالَ: فَغَضِبَ، وَقَالَ: جَاءَكُمَا الْخَبِيثُ فَأَمَرَكُمَا بِهَذَا؟ كَلَامُكُمَا وَطَعَامُكُمَا وَشَرَابُكُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ، فَقَامَا مِنْ عِنْدِهِ، وَخَرَجَتِ امْرَأَتُهُ تَعْمَلُ لِلنَّاسِ، فَخَبَزَتْ لِأَهْلِ بَيْتٍ لَهُمْ صَبِيٌّ، فَجَعَلَتْ لَهُمْ قُرْصًا، وَكَانَ ابْنُهُمْ نَائِمًا، فَكَرِهُوا أَنْ يُوقِظُوهُ فَوَهَبُوهُ لَهَا، فَأَتَتْ بِهِ إِلَى أَيُّوبَ فَأَنْكَرَهُ وَقَالَ:
مَا كُنْتِ تَأْتِينِي بِهَذَا، فَمَا بَالُكِ الْيَوْمَ؟ فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ، قَالَ: فَلَعَلَّ الصَّبِيَّ قَدِ اسْتَيْقَظَ فَطَلَبَ الْقَرْصَ فَلَمْ يَجِدْهُ فَهُوَ يَبْكِي عَلَى أَهْلِهِ، فَانْطَلِقِي بِهِ إِلَيْهِ، فَأَقْبَلَتْ حَتَّى بَلَغَتْ دَرَجَةَ الْقَوْمِ، فَنَطَحَتْهَا شَاةٌ لَهُمْ، فَقَالَتْ: تَعِسَ أَيُّوبُ الْخَطَّاءُ، فَلَمَّا صَعِدَتْ وَجَدَتِ الصَّبِيَّ قَدِ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَطْلُبُ الْقُرْصَ وَيَبْكِي عَلَى أَهْلِهِ لَا يقبل منهم شيئا غيره، فقالت: رحمه الله، يعني أيوب،