قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَمَّنْ سَمِعَ عَطَاءً يَقُولُ: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ قَالَ: يَنْزِلُونَ حَيْثُ شاؤوا، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَوْقُوفًا «مَنْ أَكَلَ كِرَاءَ بُيُوتِ مَكَّةَ أَكَلَ نَارًا» وَتَوَسَّطَ الإمام أحمد فَقَالَ: تُمَلَّكُ وَتُوَرَّثُ وَلَا تُؤَجَّرُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: الْبَاءُ هَاهُنَا زَائِدَةٌ، كَقَوْلِهِ: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ [الْمُؤْمِنُونَ: ٢٠] أَيْ تُنْبِتُ الدُّهْنَ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ تقديره إلحادا، وكما قال الأعشى: [الكامل]

ضَمَنَتْ بِرِزْقِ عِيَالِنَا أَرْمَاحُنَا بَيْنَ الْمَرَاجِلِ وَالصَّرِيحِ الأجرد «١»
وقال الآخر: [الطويل]
بِوَادٍ يَمَانٍ يُنْبِتُ الشَّثَّ صَدْرُهُ وَأَسْفَلُهُ بِالْمَرْخِ وَالشَّبَهَانِ «٢»
وَالْأَجْوَدُ أَنَّهُ ضَمَّنَ الْفِعْلَ هَاهُنَا مَعْنَى يَهُمُّ، وَلِهَذَا عَدَّاهُ بِالْبَاءِ فَقَالَ: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ أَيْ يَهُمُّ فِيهِ بِأَمْرٍ فَظِيعٍ مِنَ الْمَعَاصِي الْكِبَارِ: وَقَوْلُهُ: بِظُلْمٍ أَيْ عَامِدًا قَاصِدًا أَنَّهُ ظُلْمٌ لَيْسَ بِمُتَأَوِّلٍ، كَمَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عن ابن عباس هو التعمد.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بِظُلْمٍ بِشِرْكٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَنْ يُعْبَدَ فِيهِ غَيْرُ اللَّهِ، وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بِظُلْمٍ هُوَ أَنْ تَسْتَحِلَّ مِنَ الْحَرَمِ مَا حَرَّمَ الله عليك من إساءة أَوْ قَتْلٍ، فَتَظْلِمَ مَنْ لَا يَظْلِمُكَ وَتَقْتُلَ مَنْ لَا يَقْتُلُكَ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ لَهُ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بِظُلْمٍ يَعْمَلُ فِيهِ عَمَلًا سَيِّئًا، وَهَذَا مِنْ خُصُوصِيَّةِ الْحَرَمِ أَنَّهُ يُعَاقَبُ الْبَادِي فِيهِ الشَّرَّ إِذَا كَانَ عَازِمًا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُوقِعْهُ، كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَنِ السُّدِّيِّ أَنَّهُ سَمِعَ مُرَّةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بظلم وهو بعدن أبين، لأذاقه اللَّهُ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، قَالَ شُعْبَةُ: هُوَ رَفَعَهُ لَنَا وَأَنَا لَا أَرْفَعُهُ لَكُمْ. قَالَ يَزِيدُ: هُوَ قَدْ رَفَعَهُ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ بِهِ.
قُلْتُ: هَذَا الْإِسْنَادُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَوَقْفُهُ أَشْبَهُ مِنْ رفعه، ولهذا صمم شعبة
(١) يروى البيت:
ضمنت لنا أعجازه أرماحنا ملء المراجل والصريح الأجردا
وهو للأعشى في ديوانه ص ٣٤، ولسان العرب (جرد)، وتهذيب اللغة ١٠/ ٦٤٠، وتاج العروس (جرد)، وتفسير الطبري برواية ابن كثير ٩/ ١٣٠.
(٢) البيت للأحول اليشكري في لسان العرب (شبه) وبلا نسبة في لسان العرب (شئث)، وتهذيب اللغة ٦/ ٩٣، وتاج العروس (شئث)، وجمهرة اللغة ص ٨٣، ١٢٣٦، وكتاب العين ٣/ ٤٠٤، ومجمل اللغة ٣/ ١٩٦، وديوان الأدب ٢/ ٢١، وتفسير الطبري ٩/ ١٣٠.


الصفحة التالية
Icon