سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا الْعَمَلُ فِي أَيْامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ» قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ يَخْرُجُ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ» «١»، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بنحوه. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، غَرِيبٌ، صَحِيحٌ، وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَجَابِرٍ.
قُلْتُ: وَقَدْ تَقَصَّيْتُ هَذِهِ الطُّرُقَ، وَأَفْرَدْتُ لَهَا جُزْءًا عَلَى حِدَتِهِ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا عثمان أَنْبَأَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «مَا مِنْ أَيْامٍ أَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبَّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيْامِ العشر فأكثروا فيهن مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ» وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِنَحْوِهِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «٣» : وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيْامِ الْعَشْرِ فَيُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا.
وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا إِنَّ هَذَا هُوَ الْعَشْرُ الَّذِي أقسم بِهِ فِي قَوْلِهِ: وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ [الْفَجْرِ: ١- ٢]. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِنَّهُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ [الْأَعْرَافِ:
١٤٢] وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ «٤» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كان يَصُومُ هَذَا الْعَشْرَ، وَهَذَا الْعَشْرُ مُشْتَمِلٌ عَلَى يَوْمِ عَرَفَةَ الَّذِي ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «٥» عَنِ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَقَالَ: أَحْتَسِبْ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ به السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْآتِيَةَ، وَيَشْتَمِلُ عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ الَّذِي هُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ أَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَيْامِ عِنْدَ اللَّهِ وَبِالْجُمْلَةِ «٦»، فَهَذَا الْعَشْرُ قَدْ قِيلَ إِنَّهُ أَفْضَلُ أيام السنة، كما نطق به الحديث، وفضله كَثِيرٌ عَلَى عَشْرِ رَمَضَانَ الْأَخِيرِ، لِأَنَّ هَذَا يُشْرَعُ فِيهِ مَا يُشْرَعُ فِي ذَلِكَ مِنْ صلاة وصيام وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِهِ، وَيَمْتَازُ هَذَا بِاخْتِصَاصِهِ بِأَدَاءِ فَرْضَ الحج فيه. وقيل ذلك أَفْضَلُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، وَتَوَسَّطَ آخَرُونَ فَقَالُوا: أَيْامُ هَذَا أَفْضَلُ، وَلَيَالِي ذَاكَ أَفْضَلُ، وَبِهَذَا يَجْتَمِعُ شَمْلُ الْأَدِلَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[قَوْلٌ ثَانٍ] فِي الْأَيْامِ الْمَعْلُومَاتِ. قَالَ الْحَكَمُ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْأَيْامُ الْمَعْلُومَاتُ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيْامٍ بَعْدَهُ، وَيُرْوَى هَذَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ
(٢) المسند ٢/ ٧٥، ١٣١، ١٣٢.
(٣) كتاب العيدين باب ١١.
(٤) كتاب الصوم باب ٦٠.
(٥) كتاب الصيام حديث ١٩٦.
(٦) انظر أحمد في المسند ٤/ ٣٥٠.