التِّرْمِذِيُّ وَلَهُمْ عَنْهُ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُضَحِّيَ بِأَعْضَبِ الْقَرْنِ وَالْأُذُنِ «١»، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: الْعَضْبُ النِّصْفُ فَأَكْثَرُ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: إِنْ كُسِرَ قَرْنُهَا الْأَعْلَى فَهِيَ قَصْمَاءُ، فَأَمَّا الْعَضْبُ فَهُوَ كَسْرُ الْأَسْفَلِ، وَعَضَبُ الْأُذُنِ قَطْعُ بَعْضِهَا. وعند الشافعي أن الأضحية بذلك مجزئة لكن تكره. وقال أَحْمَدُ: لَا تُجْزِئُ الْأُضْحِيَّةُ بِأَعْضَبِ الْقَرْنِ وَالْأُذُنِ لِهَذَا الْحَدِيثِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ الدَّمُ يَسِيلُ مِنَ الْقَرْنِ لَمْ يُجَزِئْ وَإِلَّا أَجَزَأَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْمُقَابَلَةُ فَهِيَ الَّتِي قُطِعَ مُقَدَّمُ أُذُنِهَا، وَالْمُدَابَرَةُ مِنْ مُؤَخَّرِ أُذُنِهَا، وَالشَّرْقَاءُ هِيَ الَّتِي قُطِعَتْ أُذُنُهَا طُولًا، قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وأما الخرقاء فهي الَّتِي خَرَقَتِ السِّمَةُ أُذُنُهَا خَرْقًا مُدَوَّرًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَعَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِي: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلَعُهَا، وَالْكَسِيرَةُ الَّتِي لَا تَنْقَى» «٢» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهَذِهِ الْعُيُوبُ تَنْقُصُ اللَّحْمَ لِضَعْفِهَا وَعَجْزِهَا عَنِ اسْتِكْمَالِ الرَّعْيِ لِأَنَّ الشَّاءَ يَسْبِقُونَهَا إِلَى الْمَرْعَى، فَلِهَذَا لَا تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ بِهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ.
وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَرِيضَةِ مَرَضًا يَسِيرًا عَلَى قَوْلَيْنِ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُصْفَرَّةِ وَالْمُسْتَأْصَلَةِ وَالْبَخْقَاءِ وَالْمُشَيَّعَةِ وَالْكَسْرَاءِ «٣»، فَالْمُصْفَرَّةُ قِيلَ الْهَزِيلَةُ، وَقِيلَ المستأصلة الأذن، والمستأصلة مكسورة الْقَرْنِ، وَالْبَخْقَاءُ هِيَ الْعَوْرَاءُ، وَالْمُشَيَّعَةُ هِيَ الَّتِي لَا تَزَالُ تُشَيَّعُ خَلْفَ الْغَنَمِ وَلَا تَتْبَعُ لِضَعْفِهَا، وَالْكَسْرَاءُ الْعَرْجَاءُ، فَهَذِهِ الْعُيُوبُ كُلُّهَا مَانعَةٌ من الإجزاء، فأما إن طَرَأَ الْعَيْبُ بَعْدَ تَعْيِينِ الْأُضْحِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يضر عِنْدَ الشَّافِعِيِّ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٤» عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: اشْتَرَيْتُ كَبْشًا أُضَحِّي بِهِ، فَعَدَا الذِّئْبُ فَأَخَذَ الْأَلْيَةَ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «ضَحِّ بِهِ» وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَمَرَنَا النبي صلّى الله عليه وسلم أن نستشرف

(١) أخرجه الترمذي في الأضاحي باب ٩، وأبو داود في الأضاحي باب ٦، والنسائي في الضحايا باب ١٢، وابن ماجة في الأضاحي باب ٨، وأحمد في المسند ١/ ٨٣، ١٠٩، ١٢٧.
(٢) أخرجه أبو داود في الأضاحي باب ٥، والنسائي في الضحايا باب ٥، ٦، وابن ماجة في الأضاحي باب ٨، والدارمي في الأضاحي باب ٣، ومالك في الضحايا حديث ١، وأحمد في المسند ٤/ ٢٨٤، ٢٨٩، ٣٠١. [.....]
(٣) أخرجه أبو داود في الأضاحي باب ٦، وأحمد في المسند ٤/ ١٨٥.
(٤) المسند ٢/ ٣٢.


الصفحة التالية
Icon