عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ، يَعْنِي ابْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَافَقْتُ رَبِّي وَوَافَقَنِي فِي أَرْبَعٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآية وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ الْآيَةَ، قُلْتُ أَنَا فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، فَنَزَلَتْ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ «١».
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ قال: أملى على رسول الله ﷺ هذه الآية وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ- إِلَى قَوْلِهِ- خَلْقاً آخَرَ فَقَالَ مُعَاذٌ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ معاذ: مم تضحك يا رسول الله؟ فقال: «بها ختمت فتبارك الله أحسن الخالقين» وفي إسناد جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ الجُعْفِيُّ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَفِي خَبَرِهِ هَذَا نَكَارَةٌ شَدِيدَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ إِنَّمَا كَتَبَ الْوَحْيَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَذَلِكَ إِسْلَامُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ إِنَّمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ أَيْضًا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ يَعْنِي بَعْدَ هَذِهِ النَّشْأَةِ الْأُولَى مِنَ الْعَدَمِ تَصِيرُونَ إِلَى الْمَوْتِ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ يَعْنِي النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ يعني يوم المعاد. وقيام الأرواح إلى الأجساد، فَيُحَاسِبُ الْخَلَائِقَ، وَيُوَفِّي كُلَّ عَامِلٍ عَمَلَهُ إِنْ خيرا فخير وإن شرا فشر.
[سورة المؤمنون (٢٣) : آية ١٧]
وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ (١٧)
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى خَلْقَ الإنسان، عطف بذكر خلق السموات السبع، وكثيرا ما يذكر تعالى خلق السموات وَالْأَرْضِ مَعَ خَلْقِ الْإِنْسَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ [غَافِرٍ: ٥٧] وَهَكَذَا فِي أَوَّلِ الم السَّجْدَةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ بها صبيحة يوم الجمعة في أولها خلق السموات وَالْأَرْضِ، ثُمَّ بَيَانُ خَلْقِ الْإِنْسَانِ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ، وَفِيهَا أَمْرُ الْمَعَادِ وَالْجَزَاءِ وَغَيْرُ ذلك من المقاصد.
وقوله: سَبْعَ طَرائِقَ قال مجاهد: يعني السموات السَّبْعَ، وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ [الْإِسْرَاءِ: ٤٤] أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً [نُوحٍ: ١٥] اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً [الطَّلَاقِ: ١٢] وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ أي ويعلم مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يَحْجِبُ عَنْهُ سَمَاءٌ سَمَاءً وَلَا أَرْضٌ أَرْضًا، وَلَا جَبَلٌ إِلَّا يَعْلَمُ مَا فِي وَعْرِهِ، وَلَا بَحْرٌ إِلَّا يَعْلَمُ مَا فِي قَعْرِهِ، يَعْلَمُ عَدَدَ مَا في الجبال والتلال والرمال والبحار والقفار