صَالِحٍ وَالسُّدِّيُّ: الْحَقُّ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْمُرَادُ لَوْ أَجَابَهُمُ اللَّهُ إِلَى مَا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْهَوَى، وَشَرَعَ الْأُمُورَ عَلَى وِفْقِ ذلك لفسدت السموات وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ أَيْ لِفَسَادِ أَهْوَائِهِمْ وَاخْتِلَافِهَا، كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِمْ: لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ثم قال: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ [الزُّخْرُفِ: ٣١- ٣٢] وَقَالَ تَعَالَى: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ [الإسراء: ١٠٠] الآية. وقال تَعَالَى: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً [النِّسَاءِ: ٥٣] فَفِي هَذَا كله تبين عَجْزِ الْعِبَادِ وَاخْتِلَافِ آرَائِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ، وَأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْكَامِلُ فِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ وَأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَشَرْعِهِ وَقَدَرِهِ وَتَدْبِيرِهِ لِخَلْقِهِ، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ، فَلَا إله غيره ولا رب سواه، ولهذا قال: بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ أي الْقُرْآنَ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ.
وَقَوْلُهُ: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً قَالَ الْحَسَنُ: أَجْرًا. وَقَالَ قَتَادَةُ: جَعْلًا فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ أَيْ أَنْتَ لَا تَسْأَلُهُمْ أُجْرَةً وَلَا جَعْلًا وَلَا شَيْئًا عَلَى دَعْوَتِكَ إِيَّاهُمْ إِلَى الْهُدَى، بَلْ أَنْتَ فِي ذَلِكَ تَحْتَسِبُ عِنْدَ اللَّهِ جَزِيلَ ثَوَابِهِ، كَمَا قَالَ: قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ [سَبَأٍ: ٤٧] وقال: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص: ٨٦] وقال: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى [الشُّورَى: ٢٣] وقال: وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً [يس: ٢٠- ٢١].
وَقَوْلُهُ: وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ مَلَكَانِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ، وَالْآخِرُ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيْهِ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ:
اضْرِبْ مَثَلَ هَذَا وَمَثَلَ أُمَّتِهِ، فَقَالَ: إِنَّ مثل هذا وَمَثَلَ أُمَّتِهِ كَمَثَلِ قَوْمٍ سَفَرٍ انْتَهَوْا إِلَى رَأْسِ مَفَازَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مِنَ الزَّادِ مَا يَقْطَعُونَ بِهِ الْمَفَازَةَ وَلَا مَا يَرْجِعُونَ بِهِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَتَاهُمْ رَجُلٌ فِي حُلَّةٍ حبرة، فقال: أرأيتم إن أوردتكم رِيَاضًا مُعْشِبَةً وَحِيَاضًا رِوَاءً تَتَّبِعُونِي؟
فَقَالُوا: نَعَمْ، قال: فانطلق بهم وأوردهم رِيَاضًا مُعْشِبَةً وَحِيَاضًا رُوَاءً، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا وَسَمِنُوا، فَقَالَ لَهُمْ: أَلَمْ أَلْفِكُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَجَعَلْتُمْ لِي إِنْ وَرَدْتُ بِكُمْ رِيَاضًا مُعْشِبَةً وَحِيَاضًا رُوَاءً أَنْ تَتَّبِعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ رِيَاضًا أَعْشَبُ مِنْ هَذِهِ وَحِيَاضًا هِيَ أَرَوَى مِنْ هَذِهِ فَاتَّبِعُونِي، قَالَ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: صَدَقَ وَاللَّهِ لَنَتْبَعَنَّهُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: قَدْ رَضِينَا بِهَذَا نُقِيمُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يُعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ