أَيْ فَقَدْ أَخَذَ مُوَثِقًا مِنَ اللَّهِ مَتِينًا لَا يُعَذِّبُهُ وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ أَيْ لَا تَحْزَنْ عليهم يا محمد فِي كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَإِنَّ قَدَرَ اللَّهِ نَافِذٌ فِيهِمْ، وَإِلَى اللَّهِ مَرْجِعُهُمْ فَيُنْبِئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا، أَيْ فَيَجْزِيهِمْ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ فَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ خافية، ثم قال تعالى: نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا أَيْ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ أَيْ نُلْجِئُهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ أَيْ فَظِيعٍ صَعْبٍ مُشِقٍّ عَلَى النُّفُوسِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ
[يونس: ٧٠].
[سورة لقمان (٣١) : الآيات ٢٥ الى ٢٦]
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٢٥) لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦)
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ إِنَّهُمْ يَعْرِفُونَ أَنَّ الله خالق السموات وَالْأَرْضَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَمَعَ هَذَا يَعْبُدُونَ مَعَهُ شُرَكَاءَ يَعْتَرِفُونَ أَنَّهَا خَلْقٌ لَهُ وملك له، ولهذا قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَيْ إِذْ قَامَتْ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةُ بِاعْتِرَافِكُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ. ثم قال تعالى: لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَيْ هُوَ خَلْقُهُ وَمُلْكُهُ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ أَيِ الْغَنِيُّ عَمَّا سِوَاهُ. وَكُلُّ شَيْءٍ فَقِيرٌ إِلَيْهِ، الْحَمِيدُ فِي جَمِيعِ مَا خَلَقَ، لَهُ الحمد في السموات وَالْأَرْضِ عَلَى مَا خَلَقَ وَشَرَعَ، وَهُوَ الْمَحْمُودُ في الأمور كلها.
[سورة لقمان (٣١) : الآيات ٢٧ الى ٢٨]
وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧) مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨)
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ عَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَجَلَالِهِ وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَا، وَكَلِمَاتِهِ التَّامَّةِ الَّتِي لَا يُحِيطُ بِهَا أَحَدٌ، وَلَا اطِّلَاعَ لِبِشْرٍ عَلَى كُنْهِهَا وَإِحْصَائِهَا، كَمَا قَالَ سَيِّدُ الْبَشَرِ وَخَاتَمُ الرُّسُلِ «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» »
فَقَالَ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ أَيْ وَلَوْ أَنَّ جَمِيعَ أَشْجَارِ الْأَرْضِ جُعِلَتْ أَقْلَامًا وجعل البحر مدادا وأمده سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَعَهُ، فَكُتِبَتْ بِهَا كَلِمَاتُ اللَّهِ الدَّالَّةُ عَلَى عَظْمَتِهِ وَصِفَاتِهِ وَجَلَالِهِ لَتَكَسَّرَتِ الْأَقْلَامُ ونفذ ماء البحر، ولو جاء أمثالها مددا.