نَفْسِي، فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا وَبِالْكِرَامِ عَلَيْكَ شُهُودًا، فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ وَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ: انْطِقِي فَتَنْطِقُ بِعَمَلِهِ، ثُمَّ يُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ» «١» وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا عَنْ أَبِي بكرِ بنِ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أبيه، عن عبد اللَّهِ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِهِ، ثُمَّ قَالَ النَّسَائِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ غَيْرَ الْأَشْجَعِيِّ، وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، هَكَذَا قَالَ، وَقَالَ قَتَادَةُ: ابْنَ آدَمَ، وَاللَّهِ إِنَّ عَلَيْكَ لَشُهُودًا غير متهمة في بَدَنِكَ، فَرَاقِبْهُمْ وَاتَّقِ اللَّهَ فِي سِرِّكَ وَعَلَانِيَتِكَ، فإنه لا يخفى عليه خافية، الظلمة عِنْدَهُ ضَوْءٌ، وَالسِّرُّ عِنْدَهُ عَلَانِيَةٌ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ وَهُوَ بِاللَّهِ حَسَنُ الظَّنِّ فَلْيَفْعَلْ ولا قوة إلا بالله.
وقوله تعالى: يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ دِينَهُمُ أَيْ حِسَابَهُمْ وَكُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ دِينَهُمُ أَيْ حِسَابَهُمْ، وَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ، ثُمَّ إِنَّ قِرَاءَةَ الْجُمْهُورِ بِنَصْبِ الْحَقَّ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِدِينِهِمْ، وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ نَعَتُ الْجَلَالَةِ، وَقَرَأَهَا بَعْضُ السَّلَفِ فِي مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ الله دينهم الحق، وَقَوْلُهُ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ أَيْ وَعْدُهُ وَوَعِيدُهُ وَحِسَابُهُ هُوَ الْعَدْلُ الَّذِي لا جور فيه.
[سورة النور (٢٤) : آية ٢٦]
الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٢٦)
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلْخَبِيثِينِ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْخَبِيثُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْلِ. وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالطَّيِّبُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْلِ- قَالَ- وَنَزَلَتْ فِي عَائِشَةَ وَأَهْلِ الْإِفْكِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصَرِيِّ وَحَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ الْكَلَامَ الْقَبِيحَ أَوْلَى بِأَهْلِ الْقُبْحِ مِنَ النَّاسِ، وَالْكَلَامَ الطَّيِّبَ أَوْلَى بِالطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاسِ، فَمَا نَسَبَهُ أَهْلُ النِّفَاقِ إِلَى عَائِشَةَ هُمْ أَوْلَى بِهِ، وَهِيَ أَوْلَى بِالْبَرَاءَةِ وَالنَّزَاهَةِ مِنْهُمْ، وَلِهَذَا قال تعالى: أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ «٢» وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: الْخَبِيثَاتُ مِنَ النِّسَاءِ لِلْخَبِيثِينِ مِنَ الرِّجَالِ. وَالْخِبِيثُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ النِّسَاءِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالطَّيِّبُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَهَذَا أَيْضًا يَرْجِعُ إِلَى مَا قَالَهُ أُولَئِكَ بِاللَّازِمِ، أَيْ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَائِشَةَ زَوْجَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَهِيَ طَيِّبَةٌ لِأَنَّهُ أَطْيَبُ مِنْ كُلِّ طَيِّبٍ مِنَ الْبَشَرِ، وَلَوْ كَانَتْ خَبِيثَةً لَمَا صَلَحَتْ لَهُ لا شرعا ولا قدرا، ولهذا قال تعالى:
أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ أَيْ هُمْ بُعَدَاءُ عَمَّا يَقُولُهُ أهل الإفك والعدوان لَهُمْ مَغْفِرَةٌ أي

(١) أخرجه مسلم في الزهد حديث ١٧.
(٢) انظر تفسير الطبري ٩/ ٢٩٣.


الصفحة التالية
Icon