أَصْعَبُهُ فِي أَوَّلِ وَهْلَةٍ، ثُمَّ مَا بَعْدَهُ أَسْهَلُ مِنْهُ وَهُوَ صِدْقُ السَّجِيَّةِ وَثَبَاتُهَا وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ الْخُشُوعُ: السُّكُونُ وَالطُّمَأْنِينَةُ، وَالتُّؤَدَةُ وَالْوَقَارُ، وَالتَّوَاضُعُ، والحامل عليه الخوف من الله تعالى وَمُرَاقَبَتُهُ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ «اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» «١».
وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ الصَّدَقَةُ هِيَ الْإِحْسَانُ إِلَى النَّاسِ الْمَحَاوِيجِ الضُّعَفَاءِ الَّذِينَ لَا كَسْبَ لَهُمْ وَلَا كَاسِبَ يُعْطَوْنَ مِنْ فُضُولِ الْأَمْوَالِ طَاعَةً لِلَّهِ وَإِحْسَانًا إِلَى خَلْقِهِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّهِ- فَذَكَرَ مِنْهُمْ- وَرَجُلٌ تَصَدَّقُ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ» «٢» وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخطيئة كما يطفئ الماء النار» «٣». وَالْأَحَادِيثُ فِي الْحَثِّ عَلَيْهَا كَثِيرَةٌ جِدًّا لَهُ موضع بذاته.
وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وفي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ «وَالصَّوْمُ زَكَاةُ البدن» «٤» أي يزكيه ويطهره وينقيه من الأخلاط الرديئة طبعا وشرعا، كما قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ دَخَلَ فِي قوله تعالى: وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَلَمَّا كَانَ الصَّوْمُ مِنْ أَكْبَرِ الْعَوْنِ عَلَى كَسْرِ الشَّهْوَةِ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» «٥» نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ بَعْدَهُ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ أَيْ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالْمَآثِمِ إِلَّا عَنِ الْمُبَاحِ كما قال عز وجل: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ [المؤمنون: ٥- ٧].
وقوله تعالى: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ عَنِ الْأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ: «إِذَا أَيْقَظَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ كُتِبَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِنَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ» «٦» وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الأعمش عن الْأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا

(١) أخرجه البخاري في الإيمان باب ٣٧، ومسلم في الإيمان حديث ١، ٥، ٧.
(٢) أخرجه البخاري في الأذان باب ٣٦، ومسلم في الزكاة حديث ٩١.
(٣) أخرجه الترمذي في الإيمان باب ٨، والجمعة باب ٧٩، وابن ماجة في الزهد باب ٢٢، والفتن باب ١٢، وأحمد في المسند ٣/ ٣٢١، ٣٩٩، ٥/ ٢٣١.
(٤) لم أجد الحديث بهذا اللفظ في سنن ابن ماجة.
(٥) أخرجه البخاري في الصوم باب ١٠، والنكاح باب ٢، ٣، ومسلم في النكاح حديث ١، والنسائي في الصيام باب ٤٣، وابن ماجة في النكاح باب ١.
(٦) أخرجه أبو داود في التطوع باب ١٨، وابن ماجة في الإقامة باب ١٧٥.


الصفحة التالية
Icon