فَخَرَجَ فَسَلَّمَ عَلَى حُجَرِهِ وَعَلَى نِسَائِهِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَدْ جَاءَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ ثَقِلُوا عَلَيْهِ، ابْتَدَرُوا الْبَابَ فَخَرَجُوا.
وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَرْخَى السِّتْرَ وَدَخَلَ الْبَيْتَ وَأَنَا فِي الْحُجْرَةِ، فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ يَسِيرًا وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فَخَرَجَ وَهُوَ يتلو هذا الْآيَةَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ الآيات، قَالَ أَنَسٌ: فَقَرَأَهُنَّ عَلَيَّ قَبْلَ النَّاسِ، فَأَنَا أَحْدَثُ النَّاسِ بِهِنَّ عَهْدًا «١»، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ:
حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، فَقَالَ: وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الْجَعْدِ بِهِ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ بَيَانِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ أَنَسٍ بنحوه، ورواه الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ بَيَانِ بْنِ بِشْرٍ الْأَحْمَسِيِّ الْكُوفِيِّ عَنْ أَنَسٍ بِنَحْوِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بنحو ذلك، ولم يخرجوه، وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَمِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ بِنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا بَهْزٌ وَهَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لزيد: «اذْهَبْ فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ» قَالَ: فَانْطَلَقَ زَيْدٌ حَتَّى أَتَاهَا- قَالَ- وَهِيَ تُخَمِّرُ عَجِينَهَا، فَلَمَّا رَأَيْتُهَا عَظُمَتْ فِي صَدْرِي، وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ كَمَا قدمناه عند قوله تعالى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً وَزَادَ فِي آخِرِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَوَعَظَ الْقَوْمَ بِمَا وُعِظُوا بِهِ. قَالَ هَاشِمٌ فِي حَدِيثِهِ لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ الْآيَةَ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بن المغيرة.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٣» : حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى الْمَنَاصِعِ- وَهُوَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ «٤» - وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احْجُبْ نِسَاءَكَ، فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَفْعَلَ، فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ زَوْجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتِ امْرَأَةً طَوِيلَةً، فَنَادَاهَا عُمَرُ بِصَوْتِهِ الْأَعْلَى: قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ حرصا على أَنْ يَنْزِلَ الْحِجَابَ، قَالَتْ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْحِجَابَ، هكذا وقع في هذه الرواية،

(١) أخرجه البخاري في النكاح باب ٦٤، ومسلم في النكاح حديث ٨٧، ٩٢، ٩٤، ٩٥، والترمذي في تفسير سورة ٣٣، باب ٢١، ٢٢.
(٢) المسند ٣/ ١٩٥، ١٩٦.
(٣) تفسير الطبري ١٠/ ٣٢٤.
(٤) أفيح: أي واسع.


الصفحة التالية
Icon