رسول الله ﷺ «لا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ تَنْعَتُهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا» «١» أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا إسماعيل بن عياش عن هشام بن الغازي عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: كَتَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ نِسَاءً مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَاتِ مَعَ نِسَاءِ أَهْلِ الشِّرْكِ فَإِنَّهُ مِنْ قِبَلِكَ فَلَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِالْلَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَوْرَتِهَا إِلَّا أَهْلُ مِلَّتِهَا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ أَوْ نِسائِهِنَّ قَالَ نِسَاؤُهُنَّ الْمُسْلِمَاتُ لَيْسَ الْمُشْرِكَاتُ مِنْ نِسَائِهِنَّ، وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ أَنْ تَنْكَشِفَ بين يدي مشركة، وروى عبد الله فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْ نِسائِهِنَّ قَالَ هُنَّ الْمُسْلِمَاتُ لَا تُبْدِيهِ لِيَهُودِيَّةٍ وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ وَهُوَ النَّحْرُ وَالْقُرْطُ والْوِشَاحُ وَمَا لَا يَحِلُّ أَنْ يَرَاهُ إِلَّا مَحْرَمٌ.
وَرَوَى سَعِيدٌ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ لَا تَضَعُ الْمُسْلِمَةُ خِمَارَهَا عِنْدَ مُشْرِكَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: أَوْ نِسائِهِنَّ فَلَيْسَتْ مِنْ نِسَائِهِنَّ، وَعَنْ مَكْحُولٍ وَعُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ أَنَّهُمَا كَرِهَا أَنْ تُقَبِّلَ النَّصْرَانِيَّةُ وَالْيَهُودِيَّةُ وَالْمَجُوسِيَّةُ الْمُسْلِمَةَ، فَأَمَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنَا أَبُو عُمَيْرٍ حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ قَالَ: قال ابن عطاء عن أبيه قال: لما قدم أصحاب رسول الله ﷺ بيت المقدس كان قوابل نسائهن اليهوديات والنصرانيات، فهذا إن صح فمحمول عَلَى حَالِ الضَّرُورَةِ أَوْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِامْتِهَانِ، ثُمَّ إِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ كَشَفُ عورة ولا بد، والله أعلم.
وقوله تعالى: أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ قال ابن جرير: يَعْنِي مِنْ نِسَاءِ الْمُشْرِكِينَ، فَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تُظْهِرَ زَينَتَهَا لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُشْرِكَةً لِأَنَّهَا أَمَتُهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَقَالَ الأكثرون: بل يجوز أَنْ تَظْهَرَ عَلَى رَقِيقِهَا مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَاسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ «٢» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَبُو جُمَيْعٍ سَالِمُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى فَاطِمَةَ بِعَبْدٍ قَدْ وَهَبَهُ لَهَا، قَالَ: وَعَلَى فَاطِمَةَ ثَوْبٌ إِذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا، وَإِذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَلْقَى، قَالَ «إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُكِ».
وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ فِي تَرْجَمَةِ حديج الحمصي مُوَلَى مُعَاوِيَةَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعَدَةَ الْفَزَارِيَّ كَانَ أَسْوَدَ شَدِيدَ الْأَدْمَةِ، وَأَنَّهُ قَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَبَهُ لِابْنَتِهِ فَاطِمَةَ، فَرَبَّتْهُ ثُمَّ أَعْتَقَتْهُ، ثُمَّ قَدْ كان بعد ذلك كله برز مَعَ مُعَاوِيَةَ أَيَّامَ صِفِّينَ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

(١) أخرجه البخاري في النكاح باب ١١٨، وأبو داود في النكاح باب ٤٣.
(٢) كتاب اللباس باب ٣٢.


الصفحة التالية
Icon