وَتَسْخِيرِهِ لَهُمْ بِمَشِيئَتِهِ مَا يَشَاءُ مِنَ الْبِنَايَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا أَيْ وَمَنْ يَعْدِلْ وَيَخْرُجُ مِنْهُمْ عَنِ الطَّاعَةِ نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ وَهُوَ الْحَرِيقُ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَاهُنَا حَدِيثًا غَرِيبًا، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْجِنُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ لَهُمْ أَجْنِحَةٌ يَطِيرُونَ فِي الْهَوَاءِ، وَصِنْفٌ حَيَّاتٌ وَكِلَابٌ، وَصِنْفٌ يَحِلُّونَ وَيَظْعُنُونَ» رَفْعُهُ غَرِيبٌ جِدًّا. وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي بَكْرُ بْنُ مضر عن محمد بن بحير عَنِ ابْنِ أَنْعُمَ أَنَّهُ قَالَ: الْجِنُّ ثَلَاثَةٌ أصناف: صِنْفٌ لَهُمُ الثَّوَابُ وَعَلَيْهِمُ الْعِقَابُ، وَصِنْفٌ طَيَّارُونَ فِيمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَصِنْفٌ حَيَّاتٌ وَكِلَابٌ. قَالَ بَكْرُ بْنُ مُضَرَ: وَلَا أَعْلَمُ إِلَّا أنه قال: حدثني أن الإنس ثلاثة أصناف: صِنْفٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ بِظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَصِنْفٌ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا، وَصِنْفٌ في صورة النَّاسِ عَلَى قُلُوبِ الشَّيَاطِينِ.
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمِ بْنِ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ يَعْنِي ابْنَ الْفَضْلِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: الْجِنُّ وَلَدُ إِبْلِيسَ، وَالْإِنْسُ وَلَدُ آدَمَ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ مُؤْمِنُونَ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مُؤْمِنُونَ، وَهُمْ شُرَكَاؤُهُمْ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مُؤْمِنًا، فَهُوَ وَلِيُّ الله تعالى، وَمَنْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كَافِرًا فَهُوَ شيطان.
وقوله تعالى: يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ أَمَّا الْمَحَارِيبُ فَهِيَ الْبِنَاءُ الْحَسَنُ، وَهُوَ أَشْرَفُ شَيْءٍ فِي الْمَسْكَنِ وَصَدْرُهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَحَارِيبُ بُنْيَانٌ دُونَ الْقُصُورِ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هِيَ الْمَسَاجِدُ، وقال قتادة: هي القصور والمساجد. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هِيَ الْمَسَاكِنُ. وَأَمَّا التَّمَاثِيلُ، فَقَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: التَّمَاثِيلُ الصُّوَرُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: وَكَانَتْ مِنْ نُحَاسٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: من طين وزجاج. وقوله تعالى: وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ الْجَوَابُ جَمْعُ جَابِيَةٍ، وَهِيَ الْحَوْضُ الَّذِي يُجْبَى فِيهِ الْمَاءُ، كَمَا قال الأعشى ميمون بن قيس [الطويل] :

تَرُوحُ عَلَى آلِ الْمَحَلَّقِ جَفْنَةٌ كَجَابِيَةِ الشَّيْخِ الْعِرَاقِيِّ تَفْهَقُ «١»
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس رضي الله عنهما كَالْجَوابِ أَيْ كَالْجَوْبَةِ مِنَ الْأَرْضِ. وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنْهُ كَالْحِيَاضِ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُمْ.
وَالْقُدُورُ الرَّاسِيَاتُ، أَيِ الثَّابِتَاتُ فِي أماكنها لا تتحرك ولا تتحول عن أماكنها لعظمها، كذا قال
(١) البيت للأعشى في ديوانه ص ٢٧٥، ولسان العرب (حلق)، (فهق)، (جبى)، وتهذيب اللغة ٥/ ٤٠٤، ومقاييس اللغة ١/ ٥٠٣، ٤٥٦، ومجمل اللغة ٤/ ٦٧، وتاج العروس (فهق)، (جبى)، وتفسير الطبري ١٠/ ٣٥٥، وبلا نسبة في المخصص ١٠/ ٥٠.


الصفحة التالية
Icon