أَيْ إِنَّمَا يُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا أَيْ تُضَاعِفُ لَهُمُ الْحَسَنَةُ بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ أَيْ فِي مَنَازِلِ الْجَنَّةِ الْعَالِيَةِ آمَنُونَ مِنْ كُلِّ بَأْسٍ وَخَوْفٍ وَأَذًى وَمِنْ كُلِّ شَرٍّ يُحْذَرُ مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمِغْرَاءِ الْكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ وَعَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا، وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا» فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: لِمَنْ هِيَ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «لِمَنْ طَيَّبَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسِ نِيَامٌ» وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أَيْ يَسْعَوْنَ فِي الصَّدِّ عَنْ سبيل الله واتباع رسله والتصديق بآياته فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ أَيْ جَمِيعُهُمْ مَجْزِيُّونَ بِأَعْمَالِهِمْ فيها بحسبهم.
وقوله تعالى: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ أي بحسب ماله فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ يَبْسُطُ عَلَى هَذَا مِنَ الْمَالِ كَثِيرًا. وَيُضَيِّقُ عَلَى هَذَا وَيَقْتُرُ على رِزْقَهُ جِدًّا. وَلَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ مَا لَا يُدْرِكُهَا غَيْرُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا [الْإِسْرَاءِ: ٢١] أَيْ كَمَا هم متفاوتون في الدنيا هذا فقير وَهَذَا غَنِيٌّ مُوَسَّعٌ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ هُمْ فِي الْآخِرَةِ هَذَا فِي الْغُرُفَاتِ فِي أَعْلَى الدَّرَجَاتِ، وَهَذَا فِي الْغَمَرَاتِ فِي أَسْفَلِ الدَّرَكَاتِ، وَأَطْيَبُ الناس في الدنيا كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ» «١» رواه مسلم من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما.
وقوله تَعَالَى: وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ أَيْ مَهْمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَأَبَاحَهُ لَكُمْ، فَهُوَ يُخْلِفُهُ عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا بِالْبَدَلِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِالْجَزَاءِ وَالثَّوَابِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْفِقْ، أنفق عليك» «٢» وفي الحديث أن ملكين يصبحان كُلَّ يَوْمٍ يَقُولُ.
أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا «٣»، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أنفق بلالا، ولا تخشى مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالًا». وَقَالَ ابْنُ أَبِي حاتم: حدثنا أبي عن يزيد بن عبد العزيز الفلاس، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنِ الْكَوْثَرِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ مكحول قال: بلغني عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ألا إِنَّ بَعْدَ زَمَانِكُمْ هَذَا زَمَانٌ عَضُوضٌ، يَعَضُّ الموسر مَا فِي يَدِهِ حَذَارَ الْإِنْفَاقِ» ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.

(١) أخرجه مسلم في الزكاة حديث ١٢٥، وابن ماجة في الزهد باب ٩، وأحمد في المسند ٢/ ١٦٨، ١٧٣.
(٢) أخرجه البخاري في تفسير سورة ١١، باب ٢، والنفقات باب ١، والتوحيد باب ٣٥، ومسلم في الزكاة حديث ٣٦، ٣٧، وابن ماجة في الكفارات باب ١٥، وأحمد في المسند ٢/ ٢٤٢، ٣١٤، ٤٦٤.
(٣) أخرجه البخاري في الزكاة باب ٢٧، ومسلم في الزكاة حديث ٥٧، وأحمد في المسند ٢/ ٣٠٦، ٣٤٧، ٥/ ١٩٧.


الصفحة التالية
Icon