لأن فاطمة بنت حسين الصُّغْرَى لَمْ تُدْرِكْ فَاطِمَةَ الْكُبْرَى فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَعَ مَا تَرَكْنَاهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ في ذلك كله محاذرة الطول دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ.
وَقَوْلُهُ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ أي اسم الله كقوله يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الْأَعْرَافِ: ٣١] وَقَوْلُهُ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [الْأَعْرَافِ: ٢٩] وَقَوْلُهُ وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ [الجن: ١٨] الآية. وقوله تعالى: وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ قال ابن عباس يعني فيها يتلى كتابه، وقوله تعالى: يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ أَيْ فِي الْبُكَرَاتِ والْعَشِيَّاتِ. وَالْآصَالُ جَمْعُ أَصِيلٍ وَهُوَ آخِرُ النَّهَارِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُلُّ تَسْبِيحٍ فِي الْقُرْآنِ هُوَ الصَّلَاةُ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي بِالْغُدُوِّ صَلَاةَ الْغَدَاةِ وَيَعْنِي بِالْآصَالِ صَلَاةَ الْعَصْرِ وَهُمَا أَوَّلُ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ مِنَ الصَّلَاةِ فَأَحَبَّ أَنْ يَذْكُرَهُمَا وَأَنْ يُذَكِّرَ بِهِمَا عِبَادَهُ «١». وَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ يَعْنِي الصَّلَاةَ، وَمَنْ قرأ من القراء يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ بِفَتْحِ الْبَاءِ مِنْ يُسَبِّحُ عَلَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَقَفَ عَلَى قَوْلِهِ وَالْآصالِ وَقَفًا تامًا وَابْتَدَأَ بِقَوْلِهِ رِجالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَكَأَنَّهُ مُفَسِّرٌ للفاعل المحذوف كما قال الشاعر [الطويل] :

لِيُبْكَ يَزِيدُ ضَارِعٌ لِخُصُومَةٍ ومُخْتَبِطٌ مِمَّا تُطيحُ الطَّوَائِحُ «٢»
كَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ يَبْكِيهِ؟ قَالَ هَذَا يَبْكِيهِ، وَكَأَنَّهُ قِيلَ مَنْ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا؟ قَالَ رِجَالٌ. وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ يُسَبِّحُ بِكَسْرِ الْبَاءِ فَجَعَلَهُ فِعْلًا وَفَاعِلَهُ رِجالٌ فَلَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ إِلَّا عَلَى الْفَاعِلِ لِأَنَّهُ تمام الكلام فقوله تعالى: رِجالٌ فِيهِ إِشْعَارٌ بِهِمَمِهِمُ السَّامِيَةِ وَنِيَّاتِهِمْ وَعَزَائِمِهِمُ الْعَالِيَةِ الَّتِي بِهَا صَارُوا عُمَّارًا لِلْمَسَاجِدِ الَّتِي هِيَ بُيُوتُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَمَوَاطِنُ عِبَادَتِهِ وَشُكْرِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَتَنْزِيهِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب:
(١) انظر تفسير الطبري ٩/ ٣٣١.
(٢) البيت للحارث بن نهيك في خزانة الأدب ١/ ٣٠٣، وشرح شواهد الإيضاح ص ٩٤، وشرح المفصل ١/ ٨٠، والكتاب ١/ ٢٨٨، وللبيد بن ربيعة في ملحق ديوانه ص ٣٦٢، ولنهشل بن حري في خزانة الأدب ١/ ٣٠٣، ولضرار بن نهشل في الدرر ٢/ ٢٨٦، ومعاهد التنصيص ١/ ٢٠٢، وللحارث بن ضرار في شرح أبيات سيبويه ١/ ١١٠، ولنهشل، أو للحارث، أو لضرار، أو لمزرد بن ضرار، أو للمهلهل في المقاصد النحوية ٢/ ٤٥٤، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢/ ٣٤٥، ٧/ ٢٤، وأمالي ابن الحاجب ص ٤٤٧، ٧٨٩، وأوضح المسالك ٢/ ٩٣، وتخليص الشواهد ص ٤٧٨، وخزانة الأدب ٨/ ١٣٩، والخصائص ٢/ ٣٥٣، ٤٢٤، وشرح الأشموني ١/ ١٧١، وشرح المفصل ١/ ٨٠، والشعر والشعراء ص ١٠٥، ١٠٦، والكتاب ١/ ٣٦٦، ٣٩٨، ولسان العرب (طوح)، والمحتسب ١/ ٢٣٠، ومغني اللبيب ص ٦٢٠، والمقتضب ٣/ ٢٨٢، وهمع الهوامع ١/ ١٦٠.


الصفحة التالية
Icon