يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [المنافقون: ٩] الآية. وقوله تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة: ٩] الآية، يَقُولُ تَعَالَى لَا تَشْغَلُهُمُ الدُّنْيَا وَزُخْرُفُهَا وَزِينَتُهَا وملاذ بيعها وربحها عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمُ الَّذِي هُوَ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ، وَالَّذِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي عِنْدَهُ هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ وَأَنْفَعُ مِمَّا بِأَيْدِيهِمْ، لِأَنَّ مَا عِنْدَهُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ، وَلِهَذَا قَالَ تعالى: لَا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ أَيْ يُقَدِّمُونَ طَاعَتَهُ وَمُرَادَهُ وَمَحَبَّتَهُ عَلَى مُرَادِهِمْ وَمَحَبَّتِهِمْ.
قَالَ هشيم عن شيبان قَالَ: حُدِّثْتُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَأَى قوما من أهل السوق حيث نودي للصلاة المكتوبة تَرَكُوا بِيَاعَاتِهِمْ وَنَهَضُوا إِلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ عَبْدُ الله بن مسعود: هَؤُلَاءِ مِنَ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ رِجالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ «١» الآية، وَهَكَذَا رَوَى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ الْقَهْرَمَانِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ فِي السُّوقِ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَأَغْلَقُوا حَوَانِيتَهُمْ وَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فِيهِمْ نَزَلَتْ رِجالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عبد الله بن بكير الصنعاني، حدثنا أبو سعيد مولى بن هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُجَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ رَبٍّ قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي قُمْتُ عَلَى هَذَا الدَّرَجِ أُبَايِعُ عَلَيْهِ، أَرْبَحُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ، أَشْهَدُ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ يَوْمٍ فِي الْمَسْجِدِ، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحَلَالٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مِنَ الذين قال الله فيهم رِجالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ الْأَعْوَرُ: كُنْتُ مَعَ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَنَحْنُ نُرِيدُ الْمَسْجِدَ فَمَرَرْنَا بِسُوقِ الْمَدِينَةِ وَقَدْ قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ وخَمَّرُوا مَتَاعَهُمْ، فَنَظَرَ سَالِمٌ إِلَى أَمْتِعَتِهِمْ لَيْسَ مَعَهَا أَحَدٌ، فَتَلَا سَالِمٌ هَذِهِ الْآيَةَ رِجالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ، هُمْ هَؤُلَاءِ، وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ وَالضَّحَّاكُ: لَا تُلْهِيهِمُ التِّجَارَةُ وَالْبَيْعُ أَنْ يَأْتُوا الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهَا. وَقَالَ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ: كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ، وَلَكِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ وَمِيزَانُهُ فِي يَدِهِ خَفَضَهُ وَأَقْبَلَ إِلَى الصَّلَاةِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ يَقُولُ عَنِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَكَذَا قال مقاتل بن حيان والربيع بن أنس. وقال السدي: عن الصلاة في جماعة. وقال مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ: لَا يُلْهِيهِمْ ذَلِكَ عَنْ حُضُورِ الصَّلَاةِ وَأَنْ يُقِيمُوهَا كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ، وَأَنْ يُحَافِظُوا عَلَى مَوَاقِيتِهَا وَمَا اسْتَحْفَظَهُمُ اللَّهُ فيها. وقوله تَعَالَى: يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِي تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ، أَيْ مِنْ شِدَّةِ الْفَزَعِ وَعَظَمَةِ الْأَهْوَالِ، كقوله وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ [غافر: ١٨] الآية.

(١) انظر تفسير الطبري ٩/ ٣٣١، ٣٣٢.


الصفحة التالية
Icon