خَلَقَ السَّمَاءَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ثُمَّ دَحَى الْأَرْضَ وَدَحْيُهَا أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى وَخَلَقَ الْجِبَالَ والرمال وَالْجَمَادَ وَالْآكَامَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ فذلك قوله تعالى دَحاها.
وقوله: خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ فخلق الْأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أيام وخلق السموات فِي يَوْمَيْنِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [النِّسَاءِ: ٩٦] سَمَّى نَفْسَهُ بِذَلِكَ وَذَلِكَ قَوْلُهُ أَيْ لَمْ يزل كذلك فإن الله تعالى لَمْ يُرِدْ شَيْئًا إِلَّا أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ فَلَا يَخْتَلِفَنَّ عَلَيْكَ الْقُرْآنُ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنِيهِ يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنِ الْمِنْهَالِ هو ابن عمرو بالحديث.
وقوله: خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ يَعْنِي يَوْمَ الْأَحَدِ وَيَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها أَيْ جَعَلَهَا مُبَارَكَةً قَابِلَةً لِلْخَيْرِ وَالْبَذْرِ وَالْغِرَاسِ وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا وَهُوَ مَا ويحتاج أَهْلُهَا إِلَيْهِ مِنَ الْأَرْزَاقِ وَالْأَمَاكِنِ الَّتِي تُزْرَعُ وَتُغْرَسُ يَعْنِي يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ فَهُمَا مَعَ اليومين السابقين أربعة ولهذا قال: فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ أَيْ لِمَنْ أراد السؤال عن ذلك ليعلمه وقال عكرمة ومجاهد في قوله عز وجل: وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها جَعَلَ فِي كُلِّ أَرْضٍ مَا لَا يَصْلُحُ فِي غَيْرِهَا وَمِنْهُ الْعَصَبُ «١» باليمن والسابوري «٢» بِسَابُورَ وَالطَّيَالِسَةُ «٣» بِالرَّيِّ «٤» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: سَواءً لِلسَّائِلِينَ أَيْ لِمَنْ أَرَادَ السُّؤَالَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ مَعْنَاهُ وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ أَيْ عَلَى وَفْقِ مُرَادِ مَنْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى رِزْقٍ أَوْ حَاجَةٍ فإن الله تعالى قَدَّرَ لَهُ مَا هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ وَهَذَا الْقَوْلُ يُشْبِهُ مَا ذَكَرُوهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ [إِبْرَاهِيمَ: ٣٤] وَاللَّهُ أعلم.
وقوله تبارك وتعالى: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ وَهُوَ بُخَارُ الْمَاءِ الْمُتَصَاعِدُ مِنْهُ حِينَ خُلِقَتِ الْأَرْضُ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً أَيِ اسْتَجِيبَا لِأَمْرِي وَانْفَعِلَا لِفِعْلِي طَائِعَتَيْنِ أَوْ مُكْرَهَتَيْنِ قَالَ الثَّوْرِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَ: قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى لِلسَّمَوَاتِ أَطْلِعِي شَمْسِي وَقَمَرِي وَنُجُومِي وَقَالَ لِلْأَرْضِ شققي أنهارك وأخرجي ثمارك قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ «٥» رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ أَيْ بَلْ نَسْتَجِيبُ لَكَ مطيعين بما

(١) العصب: برود يمنية يعصب غزلها. أي يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج، فيأتي موشيا لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه صبغ. [.....]
(٢) السابوري: نسبة إلى سابور قرية قريبة من أصبهان، وكل ثوب رقيق يسمى سابري.
(٣) الطيالسة: من لباس العجم، وقيل هو ثوب يلبس على الكتف.
(٤) انظر تفسير الطبري ١١/ ٩٠.
(٥) تفسير الطبري ١١/ ٩٢.


الصفحة التالية
Icon