تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثُمَّ رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ كُرَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مرفوعا «عزير لا أدري أنبيا أَمْ لَا؟ وَلَا أَدْرِي أَلَعِينٌ تُبَّعٌ أَمْ لَا؟» ثُمَّ أَوْرَدَ مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عن سبه ولعنته كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وَكَأَنَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَانَ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ وَتَابَعَ دِينَ الْكَلِيمِ عَلَى يَدَيْ مَنْ كَانَ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ عَلَى الْحَقِّ قَبْلَ بَعْثَةِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَحَجَّ الْبَيْتَ فِي زَمَنِ الْجُرْهُمِيِّينَ وَكَسَاهُ الْمُلَاءَ وَالْوَصَائِلَ مِنَ الْحَرِيرِ وَالْحِبَرِ وَنَحَرَ عِنْدَهُ سِتَّةَ آلَافِ بَدَنَةٍ وَعَظَّمَهُ وَأَكْرَمَهُ. ثُمَّ عَادَ إِلَى الْيَمَنِ.
وَقَدْ سَاقَ قِصَّتَهُ بِطُولِهَا الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ مُطَوَّلَةٍ مَبْسُوطَةٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَعَبْدِ الله بن عباس رضي الله عنهم، وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَإِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ أَيْضًا وَهُوَ أَثْبَتُ وَأَكْبُرُ وَأَعْلَمُ. وَكَذَا رَوَى قِصَّتَهُ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِيهَا. وَقَدِ اخْتَلَطَ عَلَى الْحَافِظِ ابْنِ عَسَاكِرَ فِي بَعْضِ السِّيَاقَاتِ تَرْجَمَةُ تُبَّعٍ هَذَا بِتَرْجَمَةِ آخَرَ مُتَأَخِّرٍ عَنْهُ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ، فَإِنَّ تُبَّعًا هَذَا الْمُشَارَ إِلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ أَسْلَمَ قَوْمُهُ عَلَى يَدَيْهِ، ثُمَّ لَمَّا توفي عادوا بعده إلى عبادة النيران والأصنام فَعَاقَبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا ذَكَرَهُ فِي سُورَةِ سَبَأٍ، وَقَدْ بَسَطْنَا قِصَّتَهُمْ هُنَالِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَسَا تُبَّعٌ الْكَعْبَةَ وَكَانَ سَعِيدٌ يَنْهَى عَنْ سَبِّهِ، وَتُبَّعٌ هَذَا هُوَ تُبَّعٌ الْأَوْسَطُ، وَاسْمُهُ أَسْعَدُ أَبُو كُرَيْبِ بْنُ مَلْكِيَكْرِبَ الْيَمَانِيُّ، ذَكَرُوا أَنَّهُ مَلَكَ عَلَى قَوْمِهِ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ وَسِتًّا وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَلَمْ يَكُنْ فِي حِمْيَرَ أَطْوَلُ مُدَّةً مِنْهُ، وَتُوُفِّيَ قَبْلَ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ من سبعمائة سنة. وَذَكَرُوا أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ لَهُ الْحَبْرَانِ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ أَنَّ هَذِهِ الْبَلْدَةَ مُهَاجَرُ نَبِيٍّ في آخر الزَّمَانِ اسْمُهُ أَحْمَدُ، قَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا واستودعه عند أهل المدينة، فكانوا يَتَوَارَثُونَهُ وَيَرْوُونَهُ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ، وَكَانَ مِمَّنْ يَحْفَظُهُ أَبُو أَيُّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ الَّذِي نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَارِهِ وَهُوَ:

شَهِدْتُ عَلَى أَحْمَدَ أَنَّهُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ بَارِي النَّسَمْ
فَلَوْ مُدَّ عُمْرِي إِلَى عُمْرِهِ لَكُنْتُ وَزِيرًا لَهُ وَابْنَ عَمْ
وَجَاهَدْتُ بِالسَّيْفِ أَعْدَاءَهُ وَفَرَّجْتُ عَنْ صَدْرِهِ كُلَّ غَمْ
وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا أَنَّهُ حُفِرَ قَبْرٌ بِصَنْعَاءَ فِي الْإِسْلَامِ فَوَجَدُوا فِيهِ امرأتين صحيحتين، وعند رؤوسهما لَوْحٌ مِنْ فِضَّةٍ مَكْتُوبٌ فِيهِ بِالذَّهَبِ: هَذَا قبر حبي ولميس، وروي حيي وَتُمَاضِرَ ابْنَتَيْ تُبَّعٍ، مَاتَتَا وَهُمَا تَشْهَدَانِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَا تُشْرِكَانِ بِهِ شَيْئًا، وَعَلَى ذَلِكَ مَاتَ الصَّالِحُونَ قَبْلَهُمَا. وَقَدْ ذكرنا في سورة سبأ شعرا فِي ذَلِكَ أَيْضًا.
قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُولُ فِي تُبَّعٍ نُعِتَ نَعْتَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ: ذَمَّ اللَّهَ تَعَالَى قَوْمُهُ ولم يذمه. قال: وكانت عائشة رضي الله عنها تَقُولُ: لَا تَسُبُّوا تُبَّعًا فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ- يَعْنِي عَمْرَو بْنَ جَابِرٍ الْحَضْرَمِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ


الصفحة التالية
Icon