سُورَةِ الْأَحْقَافِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ١ الى ٦]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (٣) قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤)وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (٥) وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (٦)
يخبر تعالى أنه أنزل الكتاب عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صلوات الله عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِالْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ، وَالْحِكْمَةِ فِي الْأَقْوَالِ والأفعال، ثم قال تعالى:
ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ أَيْ لَا عَلَى وَجْهِ الْعَبَثِ وَالْبَاطِلِ وَأَجَلٍ مُسَمًّى أَيْ وإلى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مَضْرُوبَةٍ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ، وقوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ أي لا هون عما يراد بهم، وقد أنزل الله تعالى إليهم كتابا وأرسل إليهم رسولا، وَهُمْ مُعْرِضُونَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَيْ وَسَيَعْلَمُونَ غب ذلك.
ثم قال تعالى: قُلْ أَيْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْعَابِدِينَ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَيْ أَرْشِدُونِي إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي اسْتَقَلُّوا بِخَلْقِهِ مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَيْ وَلَا شِرْكَ لَهُمْ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ، إِنِ الْمُلْكُ وَالتَّصَرُّفُ كُلُّهُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ وَتُشْرِكُونَ بِهِ؟ مَنْ أَرْشَدَكُمْ إِلَى هَذَا؟ مَنْ دَعَاكُمْ إِلَيْهِ؟ أَهْوَ أَمَرَكُمْ بِهِ؟ أَمْ هُوَ شَيْءٌ اقْتَرَحْتُمُوهُ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ؟ وَلِهَذَا قَالَ: ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَيْ هَاتُوا كِتَابًا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَأْمُرُكُمْ بِعِبَادَةِ هَذِهِ الْأَصْنَامِ أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ أَيْ دَلِيلٍ بَيِّنٍ عَلَى هَذَا الْمَسْلَكِ الَّذِي سَلَكْتُمُوهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أَيْ لَا دليل لكم لا نَقْلِيًّا وَلَا عَقْلِيًّا عَلَى ذَلِكَ، وَلِهَذَا قَرَأَ آخَرُونَ: أَوْ أَثَرَةٍ مِنْ عِلْمٍ أَيْ أَوْ علم صحيح تؤثرونه عن أحد ممن قبلكم، كما قال مجاهد في قوله تعالى: أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ أَوْ أَحَدٍ يَأْثُرُ علما «١»، وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: أو بينة من الأمر.
(١) انظر تفسير الطبري ١١/ ٢٧٣.