هَذَا تَهْدِيدٌ لَهُمْ وَوَعِيدٌ أَكِيدٌ وَتَرْهِيبٌ شَدِيدٌ.
وقوله عز وجل: وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ تَرْغِيبٌ لَهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ أَيْ وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ إِنْ رَجَعْتُمْ وتبتم تاب عليكم وعفا عنكم وغفر ورحم، وهذه الآية كقوله عز وجل فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ: وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً [الْفُرْقَانِ: ٥- ٦] وَقَوْلُهُ تبارك وتعالى: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ أَيْ لست بأول رسول طرق العالم بل جَاءَتِ الرُّسُلُ مِنْ قَبْلِي فَمَا أَنَا بِالْأَمْرِ الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ حَتَّى تَسْتَنْكِرُونِي وَتَسْتَبْعِدُوا بعثتي إليكم فإنه قد أرسل الله جل وعلا قَبْلِي جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَى الْأُمَمِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ مَا أَنَا بِأَوَّلِ رَسُولٍ، وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ جَرِيرٍ «١» وَلَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ غَيْرَ ذلك.
وقوله تعالى: وَما أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ: نَزَلَ بَعْدَهَا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الْفَتْحِ:
٢] وَهَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: إِنَّهَا منسوخة بقوله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ قَالُوا: وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: هَذَا قَدْ بَيَّنَ الله تعالى، مَا هُوَ فَاعِلٌ بِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فما هو فاعل بنا؟ فأنزل الله تعالى: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ [الْفَتْحِ: ٥] هَكَذَا قَالَ، وَالَّذِي هُوَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا:
هَنِيئًا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا لنا؟ فأنزل الله سبحانه وتعالى هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَما أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ أي مَا أَدْرِي بِمَاذَا أُومَرَ وَبِمَاذَا أُنْهَى بَعْدَ هَذَا؟
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ عَنِ الْحَسَنِ البصري في قوله تعالى: وَما أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ قَالَ: أَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَمَعَاذَ اللَّهِ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ، وَلَكِنْ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ فِي الدنيا، أخرج كما أخرجت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مِنْ قَبْلِي؟ أَمْ أُقْتَلُ كَمَا قُتِلَتِ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ قَبْلِي؟ وَلَا أَدْرِي أَيُخْسَفُ بِكُمْ أَوْ تُرْمَوْنَ بِالْحِجَارَةِ «٢» ؟ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآخِرَةِ جَازِمٌ أَنَّهُ يَصِيرُ إِلَى الْجَنَّةِ هُوَ وَمَنِ اتَّبَعَهُ، وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَلَمْ يَدْرِ ما كان يؤول إِلَيْهِ أَمْرُهُ وَأَمْرُ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ إِلَى مَاذَا، أَيُؤْمِنُونَ أَمْ يَكْفُرُونَ فَيُعَذَّبُونَ فَيُسْتَأْصَلُونَ بِكُفْرِهِمْ.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣»، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أُمِّ الْعَلَاءِ، وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِمْ أَخْبَرَتْهُ وَكَانَتْ بَايَعَتْ
(٢) انظر تفسير الطبري ١١/ ٢٧٧.
(٣) المسند ٦/ ٤٣٦.