فَانْطَلَقُوا يَضْرِبُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا يَبْتَغُونَ مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ.
فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ النَّفَرُ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إلى رسول الله ﷺ وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدًا إِلَى سُوقِ عُكَاظَ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ فَقَالُوا: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً [الجن: ١] وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ «١» [الْجِنِّ: ١] وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُسَدَّدٍ بِنَحْوِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ بِهِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ الْجِنُّ يَسْتَمِعُونَ الْوَحْيَ فَيَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ فَيَزِيدُونَ فِيهَا عَشْرًا، فَيَكُونُ مَا سَمِعُوا حَقًّا وَمَا زَادُوا بَاطِلًا، وَكَانَتِ النُّجُومُ لَا يُرْمَى بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحَدُهُمْ لَا يَأْتِي مَقْعَدَهُ إِلَّا رُمِيَ بِشِهَابٍ يَحْرِقُ مَا أَصَابَ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى إِبْلِيسَ فَقَالَ: مَا هَذَا إِلَّا مِنْ أَمْرٍ قَدْ حَدَثَ، فَبَثَّ جُنُودَهُ فَإِذَا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بَيْنَ جَبَلَيْ نَخْلَةَ، فَأَتَوْهُ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ: هَذَا الْحَدَثُ الَّذِي حَدَثَ فِي الْأَرْضِ «٣»، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي كِتَابَيِ التَّفْسِيرِ مِنْ سُنَنَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهَكَذَا رَوَاهُ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وكذا رواه الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَيْضًا بِمِثْلِ هَذَا السِّيَاقِ بِطُولِهِ، وَهَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا شَعَرَ بأمرهم حتى أنزل الله تعالى عَلَيْهِ بِخَبَرِهِمْ.
وَذَكَرَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القرظي قصة خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطَّائِفِ وَدُعَائِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِبَائِهِمْ عَلَيْهِ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا وَأَوْرَدَ ذَلِكَ الدُّعَاءَ الْحَسَنَ «اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي وَقِلَّةَ حِيلَتِي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت أرحم الراحمين وأنت رب المستضعفين، وأنت ربي إلى من تكلني؟ إلى عدو يتجهمني أم إلى صديق قريب ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي غير أن عافيتك أوسع لي، أُعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي غضبك أو يحل بي سخطك، ولك الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلا بك».
قَالَ: فَلَمَّا انْصَرَفَ عَنْهُمْ بَاتَ بِنَخْلَةَ فَقَرَأَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْقُرْآنِ فَاسْتَمَعَهُ الْجِنُّ مِنْ أهل
(٢) المسند ١/ ٢٧٤.
(٣) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٧٢، باب ٢.