قال عمر رضي الله عنه: صَدَقَ بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ عِنْدَ آلِهَتِهِمْ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ فَصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ لَمْ أَسْمَعْ صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ يَقُولُ: يَا جَلِيحُ «١»، أَمْرٌ نَجِيحٌ رَجُلٌ فَصِيحٌ، يقول لا إله إلا الله قال: فَوَثَبَ الْقَوْمُ فَقُلْتُ: لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا، ثُمَّ نَادَى يَا جَلِيحُ أَمْرٌ نَجِيحٌ رَجُلٌ فَصِيحٌ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقُمْتُ فَمَا نَشِبْنَا «٢» أَنْ قِيلَ هَذَا نَبِيٌّ. هَذَا سِيَاقُ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ بِنَحْوِهِ، ثُمَّ قَالَ وَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُوهِمُ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه بِنَفْسِهِ سَمِعَ الصَّارِخَ يَصْرُخُ مِنَ الْعِجْلِ الَّذِي ذُبِحَ، وَكَذَلِكَ هُوَ صَرِيحٌ فِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ عن عمر رضي الله عنه، فِي إِسْلَامِهِ وَسَائِرُ الرِّوَايَاتِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْكَاهِنَ هُوَ الَّذِي أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَنْ رُؤْيَتِهِ وَسَمَاعِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ الْمُتَّجَهُ وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ، وَقَدْ ذَكَرْتُ هَذَا مُسْتَقْصًى فِي سِيرَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَنْ أَرَادَهُ فليأخذه من ثم، ولله الحمد والمنة.
وقال الْبَيْهَقِيُّ: حَدِيثُ سَوَادِ بْنِ قَارِبٍ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْكَاهِنَ الَّذِي لَمْ يُذْكَرِ اسْمُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ الْمُفَسِّرُ مِنْ أَصْلِ سَمَاعِهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ الْأَصْبِهَانِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى الْحَمَّارُ الْكُوفِيُّ بِالْكُوفَةِ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ بادويه، حدثنا أَبُو بَكْرٍ الْقَصْرِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النَّوَّاسِ الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَفِيكُمْ سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ؟ قَالَ: فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ تِلْكَ السَّنَةَ. فَلَمَّا كَانَتِ السَّنَةُ الْمُقْبِلَةُ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَفِيكُمْ سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ؟ قَالَ: فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا سَوَادُ بن قارب؟ قال فقال له عمر رضي الله عنه: إِنَّ سَوَادَ بْنَ قَارِبٍ كَانَ بَدْءُ إِسْلَامِهِ شيئا عجيبا، قال فبينما نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ طَلَعَ سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ قال: فقال له عمر رضي الله عنه: يَا سَوَادُ حَدِّثْنَا بِبَدْءِ إِسْلَامِكَ كَيْفَ كَانَ؟ قال سواد رضي الله عنه: فَإِنِّي كُنْتُ نَازِلًا بِالْهِنْدِ وَكَانَ لِي رَئِيٌّ من الجن، قال فبينما أنا ذات ليلة نائم إذا جَاءَنِي فِي مَنَامِي ذَلِكَ، قَالَ قُمْ فَافْهَمْ وَاعْقِلْ إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ، قَدْ بُعِثَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:

عجبت للجنّ وتحساسها وشدّها العيس بأحلاسها «٣»
(١) جليح: هو اسم رجل.
(٢) ما نشبنا: أي ما لبثنا.
(٣) انظر تخريج البيت قبل حاشيتين.


الصفحة التالية
Icon