لَا يَتَجَاوَزُهُ وَلَا يَتَعَدَّاهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَتِهِ لِمُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ بِسَنَدِهِ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ مِمَّنْ بَايَعَ يَوْمَ الْفَتْحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال يَوْمًا لِجُلَسَائِهِ: «أَطَّتِ «١» السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ لَيْسَ فِيهَا مَوْضِعَ قَدَمٍ إِلَّا عَلَيْهِ ملك راكع أو ساجد» «٢» ثم قرأ ﷺ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ وَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي تَفْسِيرِهِ وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ قَالَ كَانَ مَسْرُوقٌ يَرْوِي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا مَوْضِعٌ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ ساجد أو قائم» فذلك قوله تعالى: وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ «٣».
وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ في السموات لَسَمَاءٍ مَا فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلَّا عَلَيْهِ جَبْهَةُ مَلَكٍ أَوْ قَدَمَاهُ ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ الله رضي الله عنه وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَالَ قَتَادَةُ كَانُوا يُصَلُّونَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ جَمِيعًا حَتَّى نَزَلَتْ وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ فَتَقَدَّمَ الرِّجَالُ وَتَأَخَّرَ النِّسَاءُ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ أَيْ نَقِفُ صُفُوفًا فِي الطَّاعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تبارك وتعالى: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا [الصافات: ١] قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُغِيثٍ قَالَ كَانُوا لَا يصفون في الصلاة حتى نزل وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ فَصُفُّوا وَقَالَ أَبُو نَضْرَةَ كان عمر رضي الله عنه إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ: أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ اسْتَوُوا قِيَامًا يُرِيدُ اللَّهُ تعالى بِكُمْ هَدْيَ الْمَلَائِكَةِ ثُمَّ يَقُولُ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ تَأَخَّرْ يَا فُلَانُ تَقَدَّمْ يَا فُلَانُ ثم يتقدم فيكبر. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ «٤».
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ، وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا، وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا» «٥» الْحَدِيثَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ أَيْ نَصْطَفُّ فَنُسَبِّحُ الرَّبَّ وَنُمَجِّدُهُ وَنُقَدِّسُهُ وَنُنَزِّهُهُ عَنِ النَّقَائِصِ فَنَحْنُ عَبِيدٌ لَهُ فُقَرَاءُ إِلَيْهِ خَاضِعُونَ لَدَيْهِ. وقال ابن عباس رضي الله عنهما وَمُجَاهِدٌ وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ الْمَلَائِكَةُ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ الْمَلَائِكَةُ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ الملائكة تسبح اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَ قَتَادَةُ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ يَعْنِي الْمُصَلُّونَ يَثْبُتُونَ بِمَكَانِهِمْ مِنَ الْعِبَادَةِ كما قال تبارك وتعالى: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ

(١) الأطيط: هو صوت الرحل، وأطيط الإبل: أصواتها وحنينها.
(٢) أخرجه الترمذي في الزهد باب ٩، وابن ماجة في الزهد باب ١٩، وأحمد في المسند ٥/ ١٧٣.
(٣) تفسير الطبري ١٠/ ٥٣٨.
(٤) تفسير الطبري ١٠/ ٥٣٩.
(٥) أخرجه مسلم في المساجد حديث ٤، وأحمد في المسند ٥/ ٣٨٣.


الصفحة التالية
Icon