ثاقِبٌ
أَيْ مُسْتَنِيرٌ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ للشياطين مقاعد في السماء قال فَكَانُوا يَسْتَمِعُونَ الْوَحْيَ قَالَ وَكَانَتِ النُّجُومُ لَا تَجْرِي وَكَانَتِ الشَّيَاطِينُ لَا تُرْمَى قَالَ فَإِذَا سَمِعُوا الْوَحْيَ نَزَلُوا إِلَى الْأَرْضِ فَزَادُوا فِي الْكَلِمَةِ تِسْعًا قَالَ فَلَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الشَّيْطَانُ إِذَا قصد مقعده جاءه شِهَابٌ فَلَمْ يُخْطِئْهُ حَتَّى يُحْرِقَهُ قَالَ فَشَكَوْا ذلك إلى إبليس لعنه الله فَقَالَ مَا هُوَ إِلَّا مِنْ أَمْرٍ حَدَثَ قال فبعث جُنُودَهُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي بَيْنَ جَبَلَيْ نَخْلَةَ قَالَ وَكِيعٌ يَعْنِي بَطْنَ نَخْلَةَ «٢» قَالَ: فَرَجَعُوا إِلَى إِبْلِيسَ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ هَذَا الَّذِي حَدَثَ، وَسَتَأْتِي إن شاء الله تعالى الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ مَعَ الْآثَارِ فِي هَذَا الْمَعْنَى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنِ الْجِنِّ أَنَّهُمْ قَالُوا وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً [الجن: ٨- ١٠].
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١١ الى ١٩]
فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (١١) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢) وَإِذا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (١٣) وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (١٤) وَقالُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (١٥)
أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ (١٨) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ (١٩)
يقول تعالى: فسل هؤلاء المنكرين للبعث أيهما أشد خلقا هم أم السموات وَالْأَرْضُ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالشَّيَاطِينِ وَالْمَخْلُوقَاتِ العظيمة؟ وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه «أَمْ مَنْ عَدَدْنَا» «٣» فَإِنَّهُمْ يُقِرُّونَ أَنَّ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ أَشَدُّ خَلْقًا مِنْهُمْ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلِمَ يُنْكِرُونَ الْبَعْثَ؟ وَهُمْ يُشَاهِدُونَ مَا هو أعظم مما أنكروا كما قال عز وجل: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [غَافِرٍ: ٥٧] ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُمْ خُلِقُوا مِنْ شَيْءٍ ضَعِيفٍ فَقَالَ: إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ قَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ: هُوَ الْجَيِّدُ الَّذِي يلتزق بعضه ببعض، وقال ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة هو اللزج الجيد، وَقَالَ قَتَادَةُ هُوَ الَّذِي يَلْزَقُ بِالْيَدِ «٤».
وَقَوْلُهُ عز وجل: بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ أَيْ بَلْ عَجِبْتَ يَا محمد من تكذيب هؤلاء

(١) تفسير الطبري ١٠/ ٤٧٠.
(٢) بطن نخلة: قرية قريبة من المدينة على طريق البصرة.
(٣) تفسير الطبري ١٠/ ٤٧٤، وفيه: وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله بن مسعود: «أهم أشدّ خلقا أم من عددنا».
(٤) انظر تفسير الطبري ١٠/ ٤٧٥- ٤٧٦.


الصفحة التالية
Icon