رَعَتْ نَحْلُهُ شَجَرَ الْعُرْفُطَ الَّذِي صَمْغُهُ الْمَغَافِيرُ، فَلِهَذَا ظَهَرَ رِيحُهُ فِي الْعَسَلِ الَّذِي شَرِبْتَهُ. قال الجوهري: جرست النحل الْعُرْفُطَ تَجْرِسُ إِذَا أَكَلَتْهُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلنَّحْلِ جوارس، قال الشاعر:
[الطويل]
تَظَلُّ عَلَى الثَّمْرَاءِ مِنْهَا جَوَارِسُ «١»
وَقَالَ الْجَرْسُ وَالْجِرْسُ الصَّوْتُ الْخَفِيُّ، وَيُقَالُ: سَمِعْتُ جَرْسَ الطَّيْرِ إِذَا سَمِعْتُ صَوْتَ مَنَاقِيرِهَا عَلَى شَيْءٍ تَأْكُلُهُ، وَفِي الْحَدِيثِ «فَيَسْمَعُونَ جَرْسَ طَيْرِ الْجَنَّةِ» قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ شُعْبَةَ، قَالَ: فَيَسْمَعُونَ جرش طير الجنة بالشين فَقُلْتُ جَرْسَ فَنَظَرَ إِلَيَّ فَقَالَ: خُذُوهَا عَنْهُ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِهَذَا مِنَّا، وَالْغَرَضُ أَنَّ هَذَا السِّيَاقَ فِيهِ أَنَّ حَفْصَةَ هِيَ السَّاقِيَةُ لِلْعَسَلِ، وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عن خالته عَائِشَةَ، وَفِي طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنِ عَائِشَةَ أَنَّ زينب بنت جحش هي التي سقته الْعَسَلَ، وَأَنَّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ تَوَاطَأَتَا وَتَظَاهَرَتَا عَلَيْهِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ يُقَالُ إِنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ وَلَا بُعْدَ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَنَّ كَوْنَهُمَا سَبَبًا لِنُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فِيهِ نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هُمَا الْمُتَظَاهِرَتَانِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» فِي مُسْنَدِهِ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما حَتَّى حَجَّ عُمَرُ وَحَجَجْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَدَلَ عُمَرُ وَعَدَلْتُ مَعَهُ بِالْإِدَاوَةِ فَتَبَرَّزَ، ثُمَّ أَتَانِي فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ فَتَوَضَّأَ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَنِ الْمَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّتَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما فقال عمر: وا عجبا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ:
قَالَ الزُّهْرِيُّ: كَرِهَ وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ عَنْهُ وَلَمْ يَكْتُمْهُ قَالَ: هي عائشة وحفصة.
قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ يَسُوقُ الْحَدِيثَ قَالَ: كُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَوْمًا نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْمًا تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ قَالَ: وَكَانَ مَنْزِلِي فِي دار أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ بِالْعَوَالِي، قَالَ: فَغَضِبْتُ يَوْمًا عَلَى امْرَأَتِي فَإِذَا هِيَ تُرَاجِعُنِي فَأَنْكَرْتُ أَنْ تراجعني فقالت:
مراضيع صهب الرّيش زغب رقابها والبيت لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص ٥١، ولسان العرب (رقب)، (زغب)، (ثمر)، (جرس)، (ريش)، (رضع)، والمخصص ١١/ ٦، والتنبيه والإيضاح ٢/ ٩٣، ٢٦٣، وتاج العروس (ثمر)، (خرس)، (رضع)، وتهذيب اللغة ١٠/ ٥٧٩، ١٥/ ٨٥، وأساس البلاغة (جرس)، وللهذلي في مجمل اللغة ١/ ٤٢١، وبلا نسبة في المخصص ٨/ ١٨١، ١٦/ ٤٢.
(٢) المسند ١/ ٣٣، ٣٤.