الْأَرْضَ فَيَخِرُّ مَيِّتًا عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ، فَيَنْشَدِخُ رَأْسُهُ وَتَبْقَى جُثَّتُهُ هَامِدَةً كَأَنَّهَا قَائِمَةُ النَّخْلَةِ إِذَا خَرَّتْ بِلَا أَغْصَانٍ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ» «١» وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الضُّرَيْسِ الْعَبْدِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا فَتَحَ اللَّهُ على عاد من الريح التي هلكوا بها إِلَّا مِثْلَ مَوْضِعِ الْخَاتَمِ، فَمَرَّتْ بِأَهْلِ الْبَادِيَةِ فَحَمْلَتْهُمْ وَمَوَاشِيَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَجَعَلَتْهُمْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فلما رأى ذلك أهل الحاضرة من عاد الرِّيحَ وَمَا فِيهَا قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا، فَأَلْقَتْ أَهْلَ الْبَادِيَةِ وَمَوَاشِيَهُمْ عَلَى أَهْلِ الْحَاضِرَةِ».
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: الرِّيحُ لَهَا جَنَاحَانِ وَذَنَبٌ فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ أَيْ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ من بقاياهم أو مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إِلَيْهِمْ بَلْ بَادُوا عَنْ آخِرِهِمْ وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُمْ خَلَفًا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ قُرِئَ بِكَسْرِ القاف أي ومن عنده ممن فِي زَمَانِهِ مِنْ أَتْبَاعِهِ مِنْ كُفَّارِ الْقِبْطِ، وَقَرَأَ آخَرُونَ بِفَتْحِهَا أَيْ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الأمم المشبهين له. وقوله تعالى: وَالْمُؤْتَفِكاتُ وهم الأمم المكذبون بالرسل بِالْخاطِئَةِ بالفعلية الْخَاطِئَةِ وَهِيَ التَّكْذِيبُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالَ الرَّبِيعُ بِالْخاطِئَةِ أَيْ بِالْمَعْصِيَةِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بِالْخَطَايَا، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ وَهَذَا جِنْسٌ أَيْ كُلٌّ كَذَّبَ رَسُولَ اللَّهِ إِلَيْهِمْ كما قال تعالى كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ [ق: ١٤] وَمَنْ كذب برسول فقد كذب بالجميع كما قال تعالى:
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشُّعَرَاءِ: ١٠٥] كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ [الشُّعَرَاءِ: ١٢٣] كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ [الشُّعَرَاءِ: ١٤١] وَإِنَّمَا جَاءَ إِلَى كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ وَاحِدٌ وَلِهَذَا قال هاهنا: فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً أَيْ عَظِيمَةً شَدِيدَةً أَلِيمَةً، قَالَ مُجَاهِدٌ: رابِيَةً شَدِيدَةً، وقال السدي: مهلكة.
ثم قال تَعَالَى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ أَيْ زَادَ عَلَى الْحَدِّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَارْتَفَعَ عَلَى الْوُجُودِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: «طَغَى الْمَاءُ» كَثُرَ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ دَعْوَةِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى قَوْمِهِ حِينَ كَذَّبُوهُ وَخَالَفُوهُ، فَعَبَدُوا غَيْرَ اللَّهِ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ وَعَمَّ أَهْلَ الْأَرْضَ بِالطُّوفَانِ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ فَالنَّاسُ كُلُّهُمْ مِنْ سُلَالَةِ نُوحٍ وَذُرِّيَّتِهِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» : حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا مِهْرَانُ عَنْ أَبِي سِنَانٍ سَعِيدُ بْنُ سِنَانٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَمْ تَنْزِلْ قَطْرَةٌ مِنْ مَاءٍ إِلَّا بِكَيْلٍ عَلَى يَدَيْ مَلَكٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ نُوحٍ أُذِنَ لِلْمَاءِ دُونَ الْخَزَّانِ فَطَغَى الْمَاءُ على الخزان، فخرج فذلك قوله تعالى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ
(٢) تفسير الطبري ١٢/ ٢١٢. [.....]