هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بأم القرآن فَهِيَ خِدَاجٌ فَهِيَ خِدَاجٌ فَهِيَ خِدَاجٌ غَيْرُ تَمَامٍ» «١» وَفِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ أَبِي هريرة مَرْفُوعًا «لَا تُجْزِئُ صَلَاةُ مَنْ لَمْ يَقْرَأْ بأم القرآن».
وقوله تَعَالَى: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَيْ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ذَوُو أَعْذَارٍ فِي تَرْكِ قِيَامِ اللَّيْلِ مِنْ مَرْضَى لَا يَسْتَطِيعُونَ ذَلِكَ، وَمُسَافِرِينَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ فِي الْمَكَاسِبِ وَالْمَتَاجِرِ، وَآخَرِينَ مَشْغُولِينَ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ فِي حَقِّهِمْ مِنَ الْغَزْوِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ بَلِ السُّورَةُ كُلُّهَا مَكِّيَّةٌ وَلَمْ يَكُنِ الْقِتَالُ شُرِعَ بَعْدُ، فَهِيَ مِنْ أَكْبَرِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الإخبار بالمغيبات المستقبلة، ولهذا قال تعالى: فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ أَيْ قُومُوا بِمَا تَيَسَّرَ عَلَيْكُمْ مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَدِ اسْتَظْهَرَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ وَلَا يَقُومُ بِهِ إِنَّمَا يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ، قَالَ يَتَوَسَّدُ الْقُرْآنَ لَعَنَ اللَّهُ ذَاكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ [يُوسُفَ: ٦٨] وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ [الْأَنْعَامِ: ٩١] قُلْتُ: يا أبا سعيد، قال الله تعالى: فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ نَعَمْ وَلَوْ خَمْسَ آيَاتٍ، وَهَذَا ظَاهِرٌ مِنْ مَذْهَبِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَرَى حَقًّا وَاجِبًا عَلَى حَمَلَةِ الْقُرْآنِ أَنْ يَقُومُوا وَلَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ فِي اللَّيْلِ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ نَامَ حَتَّى أَصْبَحَ، فَقَالَ: «ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ» «٣» فَقِيلَ مَعْنَاهُ نَامَ عَنِ الْمَكْتُوبَةِ، وَقِيلَ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ: وَفِي السُّنَنِ «أَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ» «٤» وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «مَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا» «٥» وَأَغْرَبُ مِنْ هَذَا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي بكر بن عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ مِنْ إِيجَابِهِ قِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ فَرَقَدٍ الْجُدِّيُّ، حَدَّثَنَا أبو مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الزُّبَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ مِنْ وَلَدِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ قَالَ: «مِائَةُ آيَةٍ» وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا لَمْ أَرَهُ إِلَّا فِي معجم الطبراني رحمه الله تعالى.
(٢) تفسير الطبري ١٢/ ٢٩٤.
(٣) أخرجه البخاري في التهجد باب ١٣، ومسلم في المسافرين حديث ٢٠٥.
(٤) أخرجه أبو داود في الوتر باب ١، والترمذي في الوتر باب ٥، والنسائي في قيام الليل باب ٢٧، وابن ماجة في الإقامة باب ١١٤، وأحمد في المسند ١/ ١١٠، ١٤٣، ١٤٤، ١٤٨.
(٥) أخرجه أبو داود في الوتر باب ٢، وأحمد في المسند ٢/ ٤٤٣، ٥/ ٣٥٧.