مُجَاهِدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: يَعْنِي لَا يُؤْمَرُ وَلَا يُنْهَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْآيَةَ تَعُمُّ الْحَالَيْنِ أَيْ لَيْسَ يُتْرَكُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مُهْمَلًا لَا يُؤْمَرُ وَلَا يُنْهَى، وَلَا يُتْرَكُ فِي قَبْرِهِ سُدًى لَا يُبْعَثُ بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ مَنْهِيٌّ فِي الدُّنْيَا مَحْشُورٌ إِلَى اللَّهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا إِثْبَاتُ الْمَعَادِ وَالرَّدُّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَهُ مِنْ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالْجَهْلِ وَالْعِنَادِ، وَلِهَذَا قَالَ تعالى مستدلا على الإعادة بالبداءة فقال تعالى: أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى أَيْ أَمَا كَانَ الْإِنْسَانُ نُطْفَةً ضَعِيفَةً مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ. يُمْنَى: يُرَاقُ مِنَ الْأَصْلَابِ فِي الْأَرْحَامِ.
ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى أَيْ فَصَارَ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً ثُمَّ شُكِّلَ وَنُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَصَارَ خَلْقًا آخَرَ سَوِيًّا سَلِيمَ الْأَعْضَاءِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَتَقْدِيرِهِ. وَلِهَذَا قال تعالى: فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى.
ثُمَّ قَالَ تعالى: أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى أَيْ أَمَا هَذَا الَّذِي أَنْشَأَ هَذَا الْخَلْقَ السَّوِيَّ مِنْ هَذِهِ النُّطْفَةِ الضَّعِيفَةِ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُعِيدَهُ كَمَا بَدَأَهُ وَتَنَاوُلُ الْقُدْرَةِ لِلْإِعَادَةِ إِمَّا بِطْرِيقِ الْأُولَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبُدَاءَةِ وَإِمَّا مساوية على القولين في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الرُّومِ: ٣٧] وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الرُّومِ بَيَانُهُ وَتَقْرِيرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَاحِ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ آخَرَ أَنَّهُ كَانَ فَوْقَ سَطْحٍ يَقْرَأُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، فَإِذَا قَرَأَ أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ فَبَلَى، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يُصَلِّي فَوْقَ بَيْتِهِ فَكَانَ إِذَا قَرَأَ أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى قَالَ سُبْحَانَكَ فَبَلَى، فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ «١» وَلَمْ يُسَمِّ هَذَا الصَّحَابِيَّ وَلَا يُضَرُّ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ مِنْكُمْ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فَانْتَهَى إِلَى آخِرِهَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ فَلْيَقُلْ بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدَيْنِ، وَمَنْ قَرَأَ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ فانتهى إلى قَوْلُهُ أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى فليقل بلى، ومن قرأ وَالْمُرْسَلاتِ [المرسلات: ١] فبلغ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [المرسلات: ٥٠] فَلْيَقُلْ «آمَنَّا بِاللَّهِ» «٢» وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سفيان بن عيينة به وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: قُلْتُ لَهُ مَنْ حَدَّثَكَ؟ قَالَ: رَجُلُ

(١) كتاب الصلاة باب ١٤٩.
(٢) أخرجه أبو داود في الصلاة باب ١٥٠، والترمذي في تفسير سورة ٩٥ باب ١، وأحمد في المسند ٢/ ٢٤٩.


الصفحة التالية
Icon